قوله تعالى: فَإِذا قَرَأْتَ الْقُرْآنَ فَاسْتَعِذْ بِاللَّهِ فيه ثلاثة أقوال:
أحدها: أن المعنى: فاذا أردتَ القراءة فاستعذ، ومثله: إِذا قُمْتُمْ إِلَى الصَّلاةِ فَاغْسِلُوا وُجُوهَكُمْ «١» وقوله: وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ «٢» وقوله: إِذا ناجَيْتُمُ الرَّسُولَ فَقَدِّمُوا بَيْنَ يَدَيْ نَجْواكُمْ صَدَقَةً «٣» . ومثله في الكلام: إذا أكلت، فقل بسم الله، هذا قول عامة العلماء واللغويين. والثاني: أنه على ظاهره، وأن الاستعاذة بعد القراءة، روي عن أبي هريرة، وداود «٤» .
والثالث: أنه من المقدَّم والمؤخَّر، فالمعنى: فاذا استعذت بالله فاقرأ، قاله أبو حاتم السجستاني، والأول أصح.
فصل: والاستعاذة عند القراءة سُنَّةٌ في الصلاة وغيرها. وفي صفتها عن أحمد روايتان:
إحداهما: أعوذ بالله من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها أبو بكر المروزي.
والثانية: أعوذ بالله السميع العليم من الشيطان الرجيم، إِن الله هو السميع العليم، رواها حنبل. وقد بيَّنَّا معنى «أعوذ» في أول الكتاب، وشرحنا اشتقاق الشيطان في البقرة «٥» والرجيم في آل عمران «٦» .
قوله تعالى: إِنَّهُ لَيْسَ لَهُ سُلْطانٌ عَلَى الَّذِينَ آمَنُوا في المراد بالسلطان قولان «٧» : أحدهما: أنه التسلُّط. ثم فيه ثلاثة أقوال: أحدها: ليس له عليهم سلطان بحال، لأن الله صرف سلطانه عنهم بقوله:
إِنَّ عِبادِي لَيْسَ لَكَ عَلَيْهِمْ سُلْطانٌ إِلَّا مَنِ اتَّبَعَكَ مِنَ الْغاوِينَ «٨» . والثاني: ليس له عليهم سلطان، لاستعاذتهم منه. والثالث: ليس له قُدْرة على أن يحملهم على ذَنْب لا يُغْفَر. والثاني: أنه الحُجَّة.
فالمعنى: ليس له حُجَّة على ما يدعوهم إِليه من المعاصي، قاله مجاهد. فأما قوله: يَتَوَلَّوْنَهُ معناه:
يطيعونه. وفي هاء الكناية في قوله: وَالَّذِينَ هُمْ بِهِ مُشْرِكُونَ قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى الله تعالى، قاله مجاهد، والضحاك. والثاني: أنها ترجع إِلى الشيطان، فالمعنى: الذين هم من أجله مشركون بالله، وهذا كما يقال: صار فلان بك عالماً، أي: من أجلك، هذا قول ابن قتيبة. وقال ابن الأنباري: المعنى: والذين هم باشراكهم إِبليسَ في العبادة، مشركون بالله تعالى.
قوله تعالى: وَإِذا بَدَّلْنا آيَةً مَكانَ آيَةٍ.
(٨٦٦) سبب نزولها أن الله تعالى كان ينزِّل الآية، فيُعمَل بها مدة، ثم ينسخها، فقال كفار قريش: والله ما محمد إِلاَّ يسخر من أصحابه، يأمرهم اليوم بأمر، ويأتيهم غداً بما هو أهون عليهم منه،
لا أصل له. عزاه المصنف لأبي صالح عن ابن عباس، وهذه رواية ساقطة. وذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٥٦٥، دون عزو لقائل. والخبر باطل لا أصل له، وهل علم كفار قريش بالناسخ والمنسوخ أيضا؟!!