قربه، فقالوا: يا محمد أنبيٌ أنت؟ قال: نعم، قالوا: فو الله لقد علمتَ ما هذه بأرض الأنبياء، وإن أرض الأنبياء الشام، فان كنتَ نبياً فائت الشام، فنزلت هذه الآية، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال سعيد بن جبير: همّ رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن يشخص عن المدينة، فنزلت هذه الآية. وقال عبد الرحمن بن غَنْم: لمّا قالت له اليهود هذا، صدَّق ما قالوا، وغزا غزوة تبوك لا يريد إِلا الشام، فلما بلغ تبوكَ، نزلت هذه الآية «١» .
(٩١١) والثاني: أنهم المشركون أهل مكة هَمُّوا باخراج رسول الله صلى الله عليه وسلّم من مكة، فأمره الله بالخروج، وأنزل هذه الآية إِخباراً عما هَمُّوا به، قاله الحسن، ومجاهد. وقال قتادة: هم أهل مكة باخراجه من مكة، ولو فعلوا ذلك ما نُوظِروا، ولكنَّ الله كفَّهم عن إِخراجه حتى أمره بالخروج. وقيل:
ما لبثوا بعد ذلك حتى بعث الله عليهم القتل ببدر.
فعلى القول الأول، المشار إِليهم: اليهود، والأرض: المدينة. وعلى الثاني: هم المشركون، والأرض: مكة، وقد ذكرنا معنى «الاستفزاز» آنفا «٢» ، وقيل: المراد به ها هنا: القتل، ليخرجوه من الأرض كلِّها، روي عن الحسن.
قوله تعالى: وَإِذاً لا يَلْبَثُونَ خِلافَكَ قرأ أبن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وأبو بكر عن عاصم:
«خلفك» . وقرأ ابن عامر، وحمزة، والكسائي، وحفص عن عاصم:«خلافك» . قال الأخفش «خلافك» في معنى خلفك، والمعنى: لا يلبثون بعد خروجك إِلَّا قَلِيلًا أي: لو أخرجوك لا ستأصلناهم بعد خروجك بقليل، وقد جازاهم الله على ما همُّوا به، فقتل صناديد المشركين ببدر، وقتل من اليهود بني قريظة، وأجلى النضير. وقال ابن الأنباري: معنى الكلام: لا يَلْبَثون على خِلافك ومخالفتك، فسقط حرف الخفض. وقرأ أبو رزين، وأبو المتوكل:«خُلاَّفُكَ» بضم الخاء، وتشديد اللام، ورفع الفاء. قوله تعالى: سُنَّةَ مَنْ قَدْ أَرْسَلْنا قال الفراء: نصب السُّنَّة على العذاب المُضْمَر، أي: يعذَّبوَن كسُنَّتنا فيمن أَرسلْنا. وقال الأخفش: المعنى: سَنّها سُنَّةً. وقال الزّجّاج: انتصب بمعنى
عزاه الواحدي في «الأسباب» ٥٨٦ لمجاهد وقتادة والحسن. وأخرجه الطبري ٢٢٥٥٠ و ٢٢٥٥١ عن قتادة مرسلا بنحوه. وأثر مجاهد لم أره بهذا اللفظ مسندا وكذا أثر الحسن، وإنما أخرجهما الطبري ٢٢٥٥٢ و ٢٢٥٥٣ عنهما بلفظ: «لو أخرجت قريش محمدا لعذبوا بذلك» .