وهب بن منبه: جاء راعٍ قد أدركه المطر إِلى الكهف، فقال: لو فتحت هذا الكهف، وأدخلته غنمي من المطر، فلم يزل يعالجه حتى فتحه، ورد الله إِليهم أرواحهم حين أصبحوا من الغد. وقال ابن السائب:
احتاج صاحب الأرض التي فيها الكهف أن يبني حظيرة لغنمه، فهدم ذلك السدَّ، فبنى به، فانفتح باب الكهف. وقال ابن إِسحاق: ألقى الله في نفس رجل من أهل البلد أن يهدم ذلك البنيان فيبني به حظيرة لغنمه، فاستأجر عاملين ينزعان تلك الحجارة، فنزعاها، وفتحا باب الكهف، فجلسوا فرحين، فسلَّم بعضهم على بعض لا يرون في وجوههم ولا أجسادهم شيئا يكرهونه، إنما هم كهيئتهم حين رقدوا وهم يرون أن ملكهم في طلبهم، فصلّوا، وقالوا ليمليخا صاحب نفقتهم: انطلق فاستمع، ما نُذكَر به، وابتغ لنا طعاماً، فوضع ثيابه، وأخذ الثياب التي كان يتنكر فيها، وخرج فرأى الحجارة قد نزعت عن باب الكهف، فعجب، ثم مَرَّ مستخفياً متخوِّفاً أن يراه أحد فيذهب به إِلى الملك، فلما رأى باب المدينة رأى عليه علامة تكون لأهل الإيمان، فعجب، فخيّل إِليه أنها ليست بالمدينة التي يعرف، ورأى ناساً لا يعرفهم، فجعل يتعجب ويقول: لعلِّي نائم فلما دخلها رأى قوماً يحلفون باسم عيسى، فقام مسنداً ظهره إِلى جدار، وقال في نفسه: والله ما أدري ما هذا، عشية أمس لم يكن على وجه الأرض من يذكر عيسى إِلا قُتل، واليوم أسمعهم يذكرونه، لعل هذه ليست المدينة التي أعرف، والله ما أعرف مدينة قرب مدينتنا فقام كالحيران، وأخرج ورقا فأعطاه رجلا فقال: بعني طعاماً، فنظر الرجل إِلى نقشه فعجب، ثم ألقاه إِلى آخر، فجعلوا يتطارحونه بينهم، ويتعجبون، ويتشاورون، وقالوا: إِن هذا قد أصاب كنزاً، فَفَرق منهم، وظنَّهم قد عرفوه، فقال: أمسكوا طعامكم فلا حاجة بي إِليه، فقالوا له: من أنت يا فتى؟ والله لقد وجدتَ كنزاً وأنت تريد أن تخفيه، شاركنا فيه وإِلا أتينا بك إِلى السلطان فيقتلك.
فلم يدر ما يقول، فطرحوا كساءه في عنقه وهو يبكي ويقول: فُرِّقَ بيني وبين إِخوتي يا ليتهم يعلمون ما لقيتُ. فأتَوا به إلى رجلين كانا يديران أمر المدينة، فقالا: أين الكنز الذي وجدتَ؟ قال: ما وجدتُ كنزاً، ولكن هذه وَرِق آبائي، ونقش هذه المدينة وضربها، ولكن والله ما أدري ما شأني، ولا ما أقول لكم. قال مجاهد: كان وَرِق أصحاب الكهف مثل أخفاف الإِبل، فقالوا: من أنت، وما اسم أبيك؟
فأخبرهم، فلم يجدوا من يعرفه، فقال له أحدهما: أتظن أنك تسخر مِنّا وخزائن هذه البلدة بأيدينا، وليس عندنا من هذا الضرب درهم ولا دينار؟! إني سآمر بك فتعذَّب عذاباً شديداً، ثم أوثقك حتى تعترف بهذا الكنز، فقال يمليخا: أنبئوني عن شيء أسالكم عنه، فإن فعلتم صَدَقتكم، قالوا: سل، قال: ما فعل الملك دقيانوس؟ قالوا: لا نعرف اليوم على وجه الأرض مَلِكاً يسمى دقيانوس، وإِنما هذا ملك كان منذ زمان طويل، وهلكت بعده قرون كثيرة، فقال: والله ما يصدِّقني أحد بما أقوله، لقد كُنّا فتيةً، وأكرهنا الملكُ على عبادة الأوثان والذبح للطواغيت فهربنا منه عشية أمسِ فنمنا، فلما انتبهنا خرجتُ أشتري لأصحابي طعاماً، فإذا أنا كما ترون، فانطلقوا معي إِلى الكهف أُريكم أصحابي.
فانطلقوا معه وسائر أهل المدينة، وكان أصحابه قد ظنوا لإِبطائه عليهم أنه قد أُخذ، فبينما هم يتخوّفون ذلك، إِذ سمعوا الأصوات وجلبة الخيل، فظنوا أنهم رُسُل دقيانوس، فقاموا إِلى الصلاة، وسلَّم بعضهم على بعض، فسبق يمليخا إِليهم وهو يبكي، فبكَوا معه، وسألوه عن شأنه، فأخبرهم خبره، وقصّ عليهم النبأَ كلَّه، فعرفوا أنهم كانوا نياماً بأمر الله تعالى، وإنما أوقظوا ليكونوا آية للناس، وتصديقا للبعث، ونظر الناس إلى المسطور الذي فيه أسماؤهم وقصتهم، فعجبوا، وأرسلوا إِلى ملكهم فجاء،