للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

للمؤمن والكافر الذي أبطرته النعمة. وروى أبو صالح عن ابن عباس: أن المسلم لما احتاج، تعرَّض لأخيه الكافر، فقال الكافر: أين ما ورثتَ عن أبيك؟ فقال: أنفقتُه في سبيل الله، فقال الكافر: لكنّي ابتعت منه جِناناً وغنماً، وبقراً، والله لا أعطيتك شيئاً أبداً حتى تتبع ديني، ثم أخذ بيد المسلِم فأدخله جِنانه يطوف به فيها، ويرغِّبه في دينه. وقال مقاتل: اسم المؤمن يمليخا، واسم الكافر فرطس، وقيل:

فطرس، وقيل: هذا المَثَل ضُرِبَ لعيينة بن حصن وأصحابه، ولسلمان وأصحابه «١» . قوله تعالى:

وَحَفَفْناهُما بِنَخْلٍ الحفّ: الإحاطة بالشيء، ومنه قوله تعالى: حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ «٢» والمعنى:

جعلنا النّخل مطيفا. وقوله تعالى: وَجَعَلْنا بَيْنَهُما زَرْعاً إِعلام أن عمارتهما كاملة.

قوله تعالى: كِلْتَا الْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَها قال الفرّاء: لم يقل تعالى: آتتا، لأن «كلتا» ثنتان لا تُفرد واحدتُهما، وأصله: «كُلٌّ» ، كما تقول للثلاثة: «كُلٌّ» ، فكان القضاء أن يكون للثنتين ما كان للجمع، وجاز توحيده على مذهب «كُلّ» ، وتأنيثه جائز للتأنيث الذي ظهر في «كلتا» ، وكذلك فافعل ب «كلا» و «كلتا» و «كُلّ» ، إِذا أضفتَهُنَّ إِلى مَعْرِفة وجاء الفعل بعدهن فوحِّد واجمع، فمن التوحيد قوله تعالى:

وَكُلُّهُمْ آتِيهِ يَوْمَ الْقِيامَةِ فَرْداً «٣» ، ومن الجمع: وَكُلٌّ أَتَوْهُ داخِرِينَ «٤» ، والعرب قد تفعل ذلك أيضاً في «أي» فيؤنّثون ويذكِّرون، قال الله تعالى: وَما تَدْرِي نَفْسٌ بِأَيِّ أَرْضٍ تَمُوتُ «٥» ، ويجوز في الكلام «بأية أرض» ، وكذلك فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ «٦» ، ويجوز في الكلام «في أيّة» ، قال الشاعر:

بأي بلاءٍ أم بأيَّة نعمةٍ ... تقدَّم قبلي مسلمٌ والمهلَّب

قال ابن الأنباري: «كلتا» وإِن كان واقعاً في المعنى على اثنتين، فإن لفظه لفظ واحدة مؤنثة، فغلب اللفظ، ولم يستعمل المعنى ثقةً بمعرفة المخاطَب به ومن العرب من يؤثر المعنى على اللفظ، فيقول: «كلتا الجنتين آتتا أُكُلَها» ، ويقول آخرون: «كلتا الجنتين آتى أُكُلَه» ، لأن «كلتا» تفيد معنى «كُلّ» ، قال الشاعر:

وكلتاهما قد خطَّ لي في صَحيفتي ... فلا الموت أهواه ولا العيش أروح

يعني: وكلُّهما قد خط لي، وقد قالت العرب: كلكم ذاهب، وكلكم ذاهبون. فوحَّدوا لِلَفظ «كُلّ» وجمعوا لتأويلها. وقال الزّجّاج: إنّما لم يقل: «آتتا» ، لأن لفظ «كلتا» لفظ واحدة، والمعنى: كل واحدة منهما آتت أكلها وَلَمْ تَظْلِمْ أي: لم تنقص مِنْهُ شَيْئاً وَفَجَّرْنا خِلالَهُما نَهَراً فأعلمَنَا أن شربهما كان من ماء نهر، وهو من أغزر الشرب. وقال الفراء: إِنما قال: «فجَّرنا» بالتشديد، وهو نَهَر واحد، لأن النهر يمتد، فكان التفجُّر فيه كلِّه. قرأ أبو رزين، وأبو مجلز، وأبو العالية، وابن يعمر، وابن أبي عبلة: «وفَجَرْنا» بالتخفيف. وقرأ أبو مجلز، وأبو المتوكل: «خلِلهما» . وقرأ أبو العالية، وأبو عمران:

«نهْراً» بسكون الهاء.

قوله تعالى: وَكانَ لَهُ يعني: للأخ الكافر (ثَمَر) قرأ ابن كثير، ونافع، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: «وكان له ثُمُر» ، «وأُحيط بثُمُره» بضمتين. وقرأ عاصم: «وكان له ثمر» ، «وأحيط بثمره»


(١) تقدّم أنه لا يصح في عيينة ولا سلمان، فإن السورة مكية.
(٢) سورة الزمر: ٧٥.
(٣) سورة مريم: ٩٥.
(٤) سورة النمل: ٨٧.
(٥) سورة لقمان: ٣٤.
(٦) سورة الانفطار: ٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>