للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وابن يعمر: «حُقْباً» بإسكان الكاف. قال ابن قتيبة: الحُقُب: الدَّهر، والحِقَب: السِّنون، واحدتها حِقْبة، ويقال: حُقْبٌ وحُقُب كما يقال: قُفْل وقُفُل، وهزو وهُزُؤ، وكُفْؤ وكُفُؤ، وأُكْل وأُكُل، وسُحْت وسُحُت، ورُعْب ورُعُب، ونُكْر ونُكُر، وأُذْن وأُذُن، وسُحْق وسُحُق، وبُعْد وبُعُد، وشُغْل وشُغُل، وثُلْث وثُلُث، وعُذْر وعُذُر، ونُذْر ونُذُر، وعُمْر وعُمُرُ. وللمفسرين في المراد بالحقب ها هنا ثمانية أقوال: أحدها: أنه الدَّهر، قاله ابن عباس. والثاني: ثمانون سنة، قاله عبد الله بن عمرو وأبو هريرة.

والثالث: سبعون ألف سنة، قاله الحسن. والرابع: سبعون سنة، قاله مجاهد. والخامس: سبعة عشر ألف سنة، قاله مقاتل بن حيّان. والسادس: أنه ثمانون سنة، كل يوم ألف سنة من عدد الدنيا. والسابع:

أنه سنة بلغة قيس، ذكرهما الفراء. والثامن: الحُقُب عند العرب وقت غير محدود، قاله أبو عبيدة.

ومعنى الكلام: لا أزال أَسيرُ، ولو احتجت أن أسير حُقُباً.

قوله تعالى: فَلَمَّا بَلَغا يعني: موسى وفتاه مَجْمَعَ بَيْنِهِما يعني: البحرين نَسِيا حُوتَهُما وكانا قد تزوَّدا حوتاً مالحاً في زَبيل «١» فكانا يصيبان منه عند الغداء والعشاء، فلما انتهيا إِلى الصخرة على ساحل البحر وضع فتاه المكتلَ، فأصاب الحوتَ بللُ البحر. وقيل: توضأ يوشع من عين الحياة فانتضح على الحوت الماءُ، فعاش، فتحرك في المِكْتَل، فانسرب في البحر، وقد كان قيل لموسى: تزوَّدْ حوتاً مالحاً، فاذا فقَدته وجدتَ الرجل. وكان موسى حين ذهب الحوت في البحر قد مضى لحاجة فعزم فتاه أن يخبره بما جرى فنسي. وإِنما قيل: «نسيا حوتهما» توسعاً في الكلام، لأنهما جميعاً تزوَّداه، كما يقال: نسي القوم زادهم، وإِنما نسيه أحدهم. قال الفراء: ومثله قوله: يَخْرُجُ مِنْهُمَا اللُّؤْلُؤُ وَالْمَرْجانُ

«٢» وإنما يخرج ذلك من المالح، لا من العذب. وقيل: نسي يوشع أن يحمل الحوت، ونسي موسى أن يأمره فيه بشيء، فلذلك أُضيف النسيان، إِليهما.

قوله تعالى: فَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ سَرَباً أي: مسلكاً ومذهباً. قال ابن عباس: جعل الحوت لا يمسُّ شيئاً من البحر إِلا يبس حتى يكون صخرة. وقال قتادة: جعل لا يسلك طريقاً إِلا صار الماء جامداً. وقد ذكرنا في حديث أُبيّ بن كعب أن الماء صار مثل الطاق على الحوت.

قوله تعالى: فَلَمَّا جاوَزا ذلك المكان الذي ذهب فيه الحوت، أصابهما ما يصيب المسافر من النَّصَب، فدعا موسى بالطعام، فقال: آتِنا غَداءَنا وهو الطعام الذي يؤكل بالغداة. والنَّصَب:

الإِعياءِ. وهذا يدل على إِباحة إِظهار مثل هذا القول عند ما يلحق الإِنسانَ من الأذى والتعب، ولا يكون ذلك شكوى. قالَ يوشع لموسى أَرَأَيْتَ إِذْ أَوَيْنا إِلَى الصَّخْرَةِ أي: حين نزلنا هناك فَإِنِّي نَسِيتُ الْحُوتَ فيه قولان: أحدهما: نسيتُ أن أخبرك خبر الحوت. والثاني: نسيت حمل الحوت. قوله تعالى: وَما أَنْسانِيهُ قرأ الكسائي: «أنسانيه» باماله السين مع كسر الهاء. وقرأ ابن كثير: «أنسانيهي» بإثبات ياء في الوصل بعد الهاء وروى حفص عن عاصم: «أنسانيهُ إِلا» بضم الهاء في الوصل.

قوله تعالى: وَاتَّخَذَ سَبِيلَهُ فِي الْبَحْرِ عَجَباً الهاء في السبيل ترجع إِلى الحوت. وفي المُتَّخِذ قولان: أحدهما: أنه الحوت، ثم في المخبر عنه قولان: أحدهما: أنه الله عزّ وجلّ، ثم في معنى


(١) في «اللسان» الزبيل: الوعاء يحمل فيه.
(٢) سورة الرحمن: ٢٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>