للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

يوجب قتلها، قاله الزجاج. وقد فَرَّق بعضهم بين الزاكية، والزكيَّة، فروي عن أبي عمرو بن العلاء أنه قال: الزاكية: التي لم تذنب قطُّ، والزكية: التي أذنبت ثم تابت. وروي عن أبي عبيدة أنه قال: الزاكية في البدن، والزكية في الدِّين.

قوله تعالى: بِغَيْرِ نَفْسٍ أي: بغير قتل نفس لَقَدْ جِئْتَ شَيْئاً نُكْراً قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وحمزة، والكسائي: نكْراً خفيفة في كل القرآن، إلّا قوله: إِلى شَيْءٍ نُكُرٍ «١» وخفف ابن كثير أيضاً «إِلى شيء نُكْر» . وقرأ ابن عامر، وأبو بكر عن عاصم: «نُكُراً» و «إِلى شيء نُكْر» . مثقل. والمخفف إِنما هو من المثقل، كالعُنْق، والعُنُق، والنُكْر، والنُكُر. قال الزجاج: والمعنى: لقد أتيت شيئاً نكراً.

ويجوز أن يكون معناه: جئت بشيء نكر، فلما حذف الباء، أفضى الفعل فنصب نكرا، ونكرا أقل منكراً من قوله: «إِمراً» لأن تغريق مَنْ في السفينة كان عنده أنكر من قتل نفس واحدة.

قوله تعالى: قالَ أَلَمْ أَقُلْ لَكَ. إِن قيل: لم ذكر لَكَ ها هنا، واختزله من الموضع الذي قبله؟

فالجواب: أن إثباته للتّوكيد، واختزاله له لوضوح المعنى، وكلاهما معروف عند الفصحاء. تقول العرب: قد قلت لك: اتق الله. وقد قلت لك: يا فلان اتق الله، وأنشد ثعلب:

قد كنتُ حَذَّرْتُكَ آلَ المصْطَلِقْ ... وقلتُ: يا هَذا أَطِعْنِي وَانْطَلِقْ

فقوله: يا هذا، توكيد لا يختل الكلام بسقوطه. وسمعت الشيخ أبا محمد الخشاب يقول: وقَّره في الأول، فلم يواجهه بكاف الخطاب، فلما خالف في الثاني، واجهه بها.

قوله تعالى: إِنْ سَأَلْتُكَ عَنْ شَيْءٍ أي: سؤال توبيخ وإِنكار بَعْدَها أي: بعد هذه المسألة فَلا تُصاحِبْنِي وقرأ كذلك معاذ القارئ، وأبو نهيك، وأبو المتوكل، والأعرج، إِلا أنهم شدَّدوا النون. قال الزجاج: ومعناه: إِن طلبتُ صحبتك فلا تُتَابعني على ذلك. وقرأ أُبيُّ بن كعب، وابن أبي عبلة، ويعقوب: «فلا تَصحبني» بفتح التاء من غير ألف. وقرأ ابن مسعود، وأبو العالية، والأعمش كذلك، إِلا أنهم شددوا النون. وقرأ أبو رجاء، وأبو عثمان النهدي، والنخعي، والجحدري: «تُصْحِبْني» بضم التاء، وكسر الحاء، وسكون الصاد والباء. قال الزجاج: فيهما وجهان: أحدهما: لا تتابعني في شيء ألتمسه منك. يقال: قد أصحب المهر: إِذا انقاد. والثاني: لا تصحبني علماً من علمك. قَدْ بَلَغْتَ مِنْ لَدُنِّي قرأ ابن كثير، وأبو عمرو، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: مِنْ لَدُنِّي مثقل. وقرأ نافع: «من لدُني» بضم الدال مع تخفيف النون. وروى أبو بكر عن عاصم: «من لَدْني» بفتح اللام مع تسكين الدال. وفي رواية أخرى عن عاصم: «لُدْني» بضم اللام وتسكين الدال. قال الزجاج: وأجودها تشديد النون، لأن أصل «لدن» الإِسكان، فاذا أضفتها إِلى نفسك زدت نوناً، ليسلم سكون النون الأولى، تقول: من لدن زيد، فتسكِّن النون ثم تضيف إِلى نفسك، فتقول: من لدنِّي، كما تقول: عن زيد وعنِّي. فأما إِسكان دال «لَدْني» فإنهم أسكنوها، كما تقول في عضُد: عَضْد، فيحذفون الضم. قال ابن عباس: يريد: إِنك قد أُعذرت فيما بيني وبينك، يعني: أنك قد أخبرتني أني لا أستطيع معك صبراً.

قوله تعالى: فَانْطَلَقا حَتَّى إِذا أَتَيا أَهْلَ قَرْيَةٍ فيها ثلاثة أقوال: أحدها: أنها أنطاكيّة، قاله ابن


(١) سورة القمر: ٦. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>