للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والثاني: عَجباً فائقاً، قاله أبو عبيدة. والثالث: شيئاً مصنوعاً، ومنه يقال: فريت الكذب، وافتريته، قاله اليزيدي.

قوله تعالى: يا أُخْتَ هارُونَ في المراد بهارون هذا خمسة أقوال: أحدها: أنه أخ لها من أُمِّها، وكان من أمثل فتى في بني إِسرائيل، قاله أبو صالح عن ابن عباس. وقال الضحاك: كان من أبيها وأُمِّها. والثاني: أنها كانت من بني هارون، قاله الضحاك عن ابن عباس. وقال السدي: كانت من بني هارون أخي موسى عليهما السلام، فنُسبت إِليه، لأنها من ولده. والثالث: أنه رجل صالح كان من بني إِسرائيل، فشبَّهوها به في الصلاح، وهذا مروي عن ابن عباس أيضاً، وقتادة، ويدل عليه ما روى المغيرة بن شعبة قال:

(٩٥٥) بعثني رسول الله صلى الله عليه وسلّم إِلى أهل نجران، فقالوا: ألستم تقرؤون: «يا أخت هارون» وقد علمتم ما كان بين موسى وعيسى؟ فلم أدرِ ما أُجيبهم، فرجعت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم فأخبرتُه، فقال: «ألا أخبرتَهم أنهم كانوا يسمُّون بأنبيائهم والصالحين قبلَهم» .

والرابع: أن قوم هارون كان فيهم فُسَّاق وزُنَاةٌ، فنسبوها إِليهم، قاله سعيد بن جبير.

والخامس: أنه رجل من فُسَّاق بني إِسرائيل شبَّهوها به، قاله وهب بن منبِّه.

فعلى هذا يخرج في معنى «الأخت» قولان: أحدهما: أنها الأخت حقيقة. والثاني: المشابهة، لا المناسبة، كقوله تعالى: وَما نُرِيهِمْ مِنْ آيَةٍ إِلَّا هِيَ أَكْبَرُ مِنْ أُخْتِها «١» .

قوله تعالى: ما كانَ أَبُوكِ يعنون: عِمران امْرَأَ سَوْءٍ أي: زانياً وَما كانَتْ أُمُّكِ حنّة بَغِيًّا زانية، فمن أين لكِ هذا الولد؟! قوله تعالى: فَأَشارَتْ أي: أومأت إِلَيْهِ أي: إِلى عيسى فتكلَّم، وقيل المعنى: أشارت إِليه أنْ كلِّموه. وكان عيسى قد كلَّمها حين أتت به قومها وقال: يا أُماه أبشري فإني عبد الله ومسيحه، فلما أشارت أن كلِّموه، تعجَّبوا من ذلك، وقالُوا كَيْفَ نُكَلِّمُ مَنْ كانَ وفيها أربعة أقوال: أحدها: أنها زائدة، فالمعنى: كيف نكلِّم صبياً في المهد؟! والثاني: أنها في معنى: وقع، وحدث. والثالث: أنها في معنى الشرط والجزاء، فالمعنى: من يكن في المهد صبياً، فكيف نكلِّمه؟! حكاها الزجاج واختار الأخير منها، قال ابن الأنباري: وهذا كما تقول: كيف أعظ من كان لا يقبل موعظتي؟! أي: من يكن لا يقبل، والماضي يكون بمعنى المستقبل في الجزاء. والرابع: أن «كان» بمعنى صار، قاله قطرب.

وفي المراد بالمهد قولان: أحدهما: حجرها، قال نوف، وقتادة، والكلبيّ. والثاني: سرير الصّبي


صحيح. أخرجه مسلم ٢١٣٥ والترمذي ٣١٥٥ والنسائي في «التفسير» ٣٣٥ والواحدي في «الوسيط» ٣/ ١٨٢ والطبري ٢٣٦٩٢ من طرق عن المغيرة بن شعبة به.

<<  <  ج: ص:  >  >>