للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: عنى بالناس أهل القبلة.

واعلم أن من أتى البيت الذي دعا إِليه إِبراهيم، فكأنه قد أتى إِبراهيم، لأنه أجاب نداءه. وواحد الرجال ها هنا: راجل، مثل صاحب، وصحاب، والمعنى: يأتوك مشاةً. وقد روي أن إِبراهيم وإِسماعيل حجّا ماشيين، وحج الحسن بن علي خمساً وعشرين حجة ماشياً من المدينة إِلى مكة، والنجائب تُقَاد معه. وحج الإِمام أحمد ماشياً مرتين أو ثلاثاً «١» .

قوله تعالى: وَعَلى كُلِّ ضامِرٍ أي: ركباناً على ضُمَّر من طول السفر. قال الفرّاء: «ويأتين» فعل للنوق. وقال الزجاج: «يأتين» على معنى الإِبل. وقرأ ابن مسعود، وابن أبي عبلة: «يأتون» بالواو.

قوله تعالى: مِنْ كُلِّ فَجٍّ عَمِيقٍ أي: طريق بعيد. وقد ذكرنا تفسير الفجِّ عند قوله تعالى: وَجَعَلْنا فِيها فِجاجاً.

قوله تعالى: لِيَشْهَدُوا أي: ليحضروا مَنافِعَ لَهُمْ وفيها ثلاثة أقوال: أحدها: التجارة، قاله ابن عباس، والسدي. والثاني: منافع الآخرة، قاله سعيد بن المسيب، والزجاج في آخرين. والثالث:

منافع الدارين جميعاً، قاله مجاهد. وهو أصح، لأنه لا يكون القصد للتجارة خاصة، وإِنما الأصل قصدُ الحج والتجارة تَبَع.

وفي الأيام المعلومات ستة أقوال «٢» : أحدها: أنها أيام العشر، رواه مجاهد عن ابن عمر، وسعيد بن جبير عن ابن عباس، وبه قال الحسن، وعطاء، وعكرمة ومجاهد، وقتادة والشافعي.

والثاني: تسعة أيام من العشر، قاله أبو موسى الأشعري. والثالث: يوم الأضحى وثلاثة أيام بعده، رواه نافع عن ابن عمر، ومقسم عن ابن عباس. والرابع: أنها أيام التشريق، رواه العوفي عن ابن عباس، وبه قال عطاء الخراساني، والنخعي، والضحاك. والخامس: أنها خمسة أيام، أولها يوم التروية، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والسادس: ثلاثة أيام، أولها يوم عرفة، قاله مالك بن أنس. وقيل: إِنما قال:

«معلومات» ، ليحرص على علمها بحسابها من أجل وقت الحجّ في آخرها. قال الزّجّاج: والذّكر ها هنا يدل على التسمية على ما يُنحَر، لقوله تعالى: عَلى ما رَزَقَهُمْ مِنْ بَهِيمَةِ الْأَنْعامِ قال القاضي أبو يعلى: ويحتمل أن يكون الذّكر المذكور ها هنا: هو الذِّكر على الهدايا الواجبة، كالدم الواجب لأجل التمتع والقران، ويحتمل أن يكون الذِّكر المفعول عند رمي الجمار وتكبير التشريق، لأن الآية عامّة في ذلك.


(١) قال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٢/ ٣٩: لا خلاف في جواز الركوب والمشي. واختلفوا في الأفضل منهما فذهب مالك والشافعي في آخرين إلى أن الركوب أفضل، اقتداء بالنبي صلى الله عليه وسلّم، ولكثرة النفقة ولتعظيم شعائر الحج بأهبة الركوب.
(٢) قال أبو جعفر رحمه الله في «تفسيره» ٢/ ٣١٧: وصف الله جلّ ذكره «المعلومات» بأنها أيام يذكر اسم الله على بهائم الأنعام. فكان معلوما، إذ قال صلى الله عليه وسلّم لأيام التشريق إنها أيام أكل وشرب وذكر الله فأخرج قوله: «وذكر الله» مطلقا بغير شرط، ولا إضافة إلى أنه الذكر على بهائم الأنعام، أنه عنى بذلك الذكر الذي ذكره الله في كتابه، فأوجبه على عباده مطلقا بغير شرط، ولا إضافة إلى معنى في «الأيام المعدودات» . ويعني جل ذكره:
اذكروا الله بالتوحيد والتعظيم في أيام محصيات، وهي أيام رمي الجمار. وإنما قلنا إن «الأيام المعدودات» هي أيام منى وأيام رمي الجمار، لتظاهر الأخبار عن رسول الله صلى الله عليه وسلّم أنه كان يقول فيها: إنها أيام ذكر الله عز وجل.

<<  <  ج: ص:  >  >>