للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

المرأة مسجد تقام فيه الجماعة، إذ الجماعه لا تجب عليها. وهل يصح بغير صوم؟ فيه عن أحمد روايتان «١» .

قوله تعالى: تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ، قال ابن عباس: يعني: المباشرة فَلا تَقْرَبُوها، قال الزجّاج:


(١) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ٤/ ٤٥٦: والاعتكاف سنة، إلا أن يكون نذرا، فيلزم الوفاء به ولا خلاف. قال ابن المنذر: أجمع أهل العلم على أن الاعتكاف لا يجب على الناس فرضا، إلا أن يوجب المرء على نفسه الاعتكاف نذرا، فيجب عليه. ومما يدل على أنه سنة، فعل النبي صلّى الله عليه وسلّم ومداومته عليه، تقربا إلى الله تعالى، ويدل على أنه غير واجب أن أصحابه لم يعتكفوا ولا أمرهم النبي صلّى الله عليه وسلّم به إلا من أراده. وقال عليه السلام: «من أراد أن يعتكف، فليعتكف العشر الأواخر» . ولا يجوز الاعتكاف إلا في مسجد يجمع فيه يعني تقام الجماعة فيه وإنما اشترط ذلك، لأن الجماعة واجبة، واعتكاف الرجل في مسجد لا تقام فيه الجماعة يفضي إلى أحد أمرين: إما ترك الجماعة الواجبة، وإما خروجه إليها، فيتكرر ذلك منه كثيرا مع إمكان التحرز منه وذلك مناف للاعتكاف. إذ هو لزوم المعتكف والإقامة على طاعة الله فيه. ولا يصح الاعتكاف في غير مسجد إذا كان المعتكف رجلا. ولا نعلم في هذا بين أهل العلم خلافا. وقال مالك: يصح الاعتكاف في كل مسجد، لعموم قوله تعالى «وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ» وهو قول الشافعي إذا لم يكن اعتكافه يتخلله جمعة.
وللمرأة أن تعتكف في كل مسجد. ولا يشترط إقامة الجماعة فيه لأنها غير واجبة عليها. وبهذا قال الشافعي.
وليس لها الاعتكاف في بيتها. وقال أبو حنيفة والثوري: لها الاعتكاف في مسجد بيتها، وهو المكان الذي جعلته للصلاة منه. واعتكافها فيه أفضل. وحكي عن أبي حنيفة، أنها لا يصح اعتكافها في مسجد الجماعة.
ولأن النبي صلّى الله عليه وسلّم ترك الاعتكاف في المسجد، لما رأى أبنية أزواجه فيه، وقال: «آلبر تردن» . ولأن مسجد بيتها موضع فضيلة صلاتها. ولنا قوله تعالى: وَأَنْتُمْ عاكِفُونَ فِي الْمَساجِدِ المراد به المواضع التي بنيت للصلاة فيها وموضع صلاتها في بيتها ليس بمسجد، لأنه لم يبن للصلاة فيه وإن سمي مسجدا كان مجازا، كقول النبي صلّى الله عليه وسلّم: «جعلت لي الأرض مسجدا» . ولأن أزواج النبي صلّى الله عليه وسلّم استأذنه في الاعتكاف في المسجد، فأذن لهن، ولو لم يكن موضعا لاعتكافهن لما أذن فيه، ولو كان الاعتكاف في غيره أفضل لدلهن عليه.. وقال: ويجوز بلا صوم إلا أن يقول في نذره بصوم، والمشهور في المذهب أن الاعتكاف يصح بغير صوم. روي ذلك عن علي وابن مسعود وسعيد بن المسيب وعمر بن عبد العزيز والشافعي وإسحاق وعن أحمد رواية أخرى، أن الصوم شرط في الاعتكاف. قال: إذا اعتكف يجب عليه الصوم وبه قال الزهري ومالك وأبو حنيفة والليث، والثوري، لما روي عن عائشة، عن النبي صلّى الله عليه وسلّم، أنه قال: «لا اعتكاف إلا بصوم» رواه الدارقطني. وعن ابن عمر أن عمر جعل عليه أن يعتكف في الجاهلية، فسأل النبي صلّى الله عليه وسلّم، فقال: «اعتكف وصم» ولأنه لبث في مكان مخصوص فلم يكن بمجرده قربة، كالوقوف. ولنا ما روى ابن عمر عن عمر أنه قال: يا رسول الله، إني نذرت في الجاهلية أن أعتكف ليلة في المسجد الحرام. فقال النبي صلّى الله عليه وسلّم: «أوف بنذرك» رواه البخاري. ولو كان الصوم شرطا لما صح اعتكاف الليل، لأنه لا صيام فيه ولأنه عبادة تصح في الليل، ولأن إيجاب الصوم حكم لا يثبت إلا بالشرع ولم يصح فيه نص ولا إجماع. قال سعيد: حدثنا عبد العزيز بن محمد، عن أبي سهل، قال: كان على امرأة من أهلي اعتكاف، فسألت عمر بن عبد العزيز. فقال: ليس عليها صيام، إلا أن تجعله على نفسها. فقال الزهري: لا اعتكاف إلا بصوم. فقال عمر: عن النبي صلّى الله عليه وسلّم؟ قال: لا. قال فعن أبي بكر؟
قال: لا. قال: فعن عمر؟ قال: لا. قال: وأظنه قال: فعن عثمان؟ قال: لا. فخرجت من عنده، فلقيت عطاء وطاوسا، فسألتهما، فقال طاوس: كان فلان لا يرى عليها صياما، إلا أن تجعله على نفسها، وأحاديثهم لا تصح. أما حديثهم عن عمر، فتفرّد به ابن بديل، وهو ضعيف. والصحيح ما رويناه، أخرجه البخاري والنسائي، وغيرهما. وحديث عائشة موقوف عليها، ومن رفعه فقد وهم. فإن الصوم فيه أفضل. ويخرج به من الخلاف.

<<  <  ج: ص:  >  >>