فهذه خمسة أقوال. و «سبيل الله» هنا: الجهاد، واللفظ يتناول بعد جميع سبله. وقيل: لا تأخذوا فيما يهلككم قاله الزجاج وغيره. أي إن لم تنفقوا عصيتم وهلكتم وقيل إن معنى الآية لا تمسكوا أموالكم فيرثها منكم غيركم فتهلكوا بحرمان منفعة أموالكم. ويقال لا تنفقوا من حرام فيردّ عليكم فتهلكوا ونحوه عن عكرمة وقال الطبري: قوله «ولا تلقوا بأيديكم إلى التهلكة» عام في جميع ما ذكر لدخوله فيه إذ اللفظ يحتمله. واختلف العلماء في اقتحام الرجل في الحرب وحمله على العدو وحده فقال القاسم بن مخيمرة: لا بأس أن يحمل الرجل وحده على الجيش العظيم إذا كان فيه قوة، وكان لله بنيّة خالصة، فإن لم تكن فيه قوة فذلك من التهلكة. وقيل: إن خلصت الشهادة وخلصت النية فليحمل لأن مقصوده واحد منهم. وقال ابن خويز منداد: فأما أن يحمل الرجل على جملة العسكر أو جماعة اللصوص والمحاربين والخوارج فلذلك حالتان: إن غلب على ظنه أن سيقتل من حمل عليه وينجو فحسن، وكذلك لو علم وغلب على ظنه أن يقتل ولكن سينكي نكاية أو سيبلي أو يؤثر أثرا ينتفع به المسلمون فجائز أيضا. وقد بلغني أن عسكر المسلمين لما لقي الفرس نفرت خيل المسلمين من الفيلة، فعمد رجل منهم فصنع فيلا من طين وأنس به فرسه حتى ألفه، فلما أصبح لم ينفر فرسه من الفيل فحمل على الفيل الذي يقدمها فقيل له: إنه قاتلك. فقال: لا ضير أن أقتل ويفتح للمسلمين. وكذلك يوم اليمامة لما تحصنت بنو حنيفة بالحديقة، قال رجل- هو البراء بن مالك أخو أنس بن مالك كما في تاريخ الطبري- من المسلمين: ضعوني في الحجفة وألقوني إليهم، ففعلوا وقاتلهم وحده وفتح الباب. ومن هذا ما روي أن رجلا قال للنبي صلّى الله عليه وسلّم: أرأيت إن قتلت في سبيل الله صابرا محتسبا؟ قال: «فلك الجنة» فانغمس في العدو حتى قتل.