والثاني: أنه التكبير عقيب الصلوات المفروضات. واختلف أرباب هذا القول في الوقت الذي يبتدئ فيه بالتكبير ويقطع على ستة أقوال: أحدها: أنه يكبر من صلاة الفجر يوم عرفة، إلى ما بعد صلاة العصر من آخر أيام التّشريق، قاله عليّ عليه السلام، وأبو يوسف، ومحمد. والثاني: أنه من صلاة الفجر يوم عرفة إلى صلاة العصر من يوم النحر، قاله ابن مسعود، وأبو حنيفة. والثالث: من بعد صلاة الظهر يوم النحر إلى ما بعد العصر من آخر يوم التشريق، قاله ابن عمر، وزيد بن ثابت وابن عباس، وعطاء. والرابع: أنه يكبر من صلاة الظهر يوم النحر إلى ما بعد صلاة الظهر من يوم النفر، وهو الثاني من أيام التشريق، قاله الحسن. والخامس: أنه يكبر من الظهر يوم النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، قاله مالك بن أنس، وهو أحد قولي الشافعي. والسادس: أنه يكبر من صلاة المغرب ليلة النحر إلى صلاة الصبح من آخر أيام التشريق، هذا قول للشافعي، ومذهب إمامنا أحمد أنه إن كان محلاً، كبر عقيب ثلاث وعشرين صلاة أولها الفجر يوم عرفة، وآخرها العصر من آخر أيام التشريق، وإن كان محرماً كبر عقيب سبعة عشر أولها الظهر من يوم النحر، وآخرها العصر من آخر أيام التشريق.
وهل يختص هذا التكبير عقيب الفرائض بكونها في جماعة، أم لا؟ فيه عن أحمد روايتان:
إحداهما: يختص بمن صلاها في جماعة، وهو قول أبي حنيفة رحمه الله. والثانية: يختص بالفريضة، وإن صلاها وحده، وهو قول الشافعي «١» .
وفي الأيام المعدودات ثلاثة أقوال: أحدها: أنها أيام التشريق، قاله ابن عمر، وابن عباس، والحسن، وعطاء، ومجاهد، وقتادة في آخرين. والثاني: أنها يوم النحر ويومان بعده، روي عن علي، وابن عمر. والثالث: أنها أيام العشر، قاله سعيد بن جبير، والنخعي.
قال الزجاج: و «معدودات» يستعمل كثيراً للشيء القليل، كما يقال: دريهمات وحمامات.
قوله تعالى: فَمَنْ تَعَجَّلَ فِي يَوْمَيْنِ، أي: فمن تعجل النفر الأول في اليوم الثاني من أيام منى، فلا إثم عليه، ومن تأخر إلى النفر الثاني، وهو اليوم الثالث من أيام منى، فلا إثم عليه.
فان قيل: إنما يخاف الإثم المتعجل، فما بال المتأخر ألحق به، والذي أتى به أفضل؟! فعنه أربعة أجوبة: أحدها: أن المعنى: لا إثم على المتعجل، والمتأخر مأجور، فقال: لا إثم عليه، لتوافق اللفظة الثانية الأولى كقوله: فَمَنِ اعْتَدى عَلَيْكُمْ فَاعْتَدُوا عَلَيْهِ. والثاني: أن المعنى: فلا إثم على المتأخر في ترك استعمال الرخصة. والثالث: أن المعنى: قد زالت آثام المتعجل والمتأخّر التي كانت عليهما قبل حجهما. والرابع: أن المعنى: طرح المأثم عن المتعجل والمتأخر إنما يكون بشرط التقوى.
وفي معنى «لمن اتقى» ثلاثة أقوال: أحدها: لمن اتقى قتل الصيد، قاله ابن عباس. والثاني: لمن اتقى المعاصي في حجه، قاله قتادة. وقال ابن مسعود: إنما مغفرة الله لمن اتقى الله في حجه.
والثالث: لمن اتقى فيما بقي من عمره، قاله أبو العالية، وإبراهيم.