للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: فَانْتَشِرُوا أي: فاخرُجوا. قوله تعالى: وَلا مُسْتَأْنِسِينَ لِحَدِيثٍ المعنى: ولا تدخُلوا مستأنِسِين، أي: طالبي الأُنس لحديث، وذلك أنهم كانوا يجلسون بعد الأكل فيتحدَّثون طويلاً، وكان ذلك يؤذيه، ويستحيي أن يقول لهم: قوموا، فعلَّمهم الله تعالى الأدب، فذلك قوله تعالى: وَاللَّهُ لا يَسْتَحْيِي مِنَ الْحَقِّ أي: لا يترُك ان يُبيّن لكم ما هو الحقّ وَإِذا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتاعاً أي: شيئاً يُستمتَع به وينتفع به من آلة المنزل فَسْئَلُوهُنَّ مِنْ وَراءِ حِجابٍ ذلِكُمْ أَطْهَرُ أي: سؤالكم إِيَّاهُنَّ المتاعَ من وراء حجاب أطهرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ من الرِّيبة.

قوله تعالى: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ أي: ما كان لكم أذاه في شيء من الأشياء.

قال أبو عبيدة: «كان» من حروف الزوائد. والمعنى: ما لكم أن تؤذوا رسول الله صلى الله عليه وسلّم وَلا أَنْ تَنْكِحُوا أَزْواجَهُ مِنْ بَعْدِهِ أَبَداً.

(١١٦٩) روى عطاء عن ابن عباس، قال: كان رجل من أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلّم قال: لو توفّي رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوّجت عائشة، فأنزل الله تعالى ما أَنزل.

(١١٧٠) وزعم مقاتل أن ذلك الرجل طلحة بن عبيد الله.

قوله تعالى: إِنَّ ذلِكُمْ يعني نكاح أزواج رسول الله صلى الله عليه وسلّم كانَ عِنْدَ اللَّهِ عَظِيماً أي: ذنْباً عظيم العقوبة.


أخرجه ابن مردويه كما في «الدر» ٥/ ٤٠٤ عن ابن عباس. وأخرجه البيهقي ٧/ ٦٩ من طريق مهران بن أبي عمر عن الثوري عنه: قال: قال رجل من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلّم: لو قد مات رسول الله صلى الله عليه وسلّم لتزوجت عائشة وأم سلمة، فأنزل الله عز وجل: وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا رَسُولَ اللَّهِ.... وإسناده ضعيف لضعف مهران في روايته عن الثوري خاصة. وأخرج ابن سعد نحوه عن جويبر عن ابن عباس كما في «أسباب النزول» للسيوطي ٩٢٠ وليس فيه ذكر عائشة. سكت عليه السيوطي، لأن جويبرا مكشوف الحال، فهو متروك الحديث. وورد من مرسل عبد الرحمن بن زيد، أخرجه الطبري ٨٢٦٢٣ وابن زيد ليس بشيء. وأخرجه عبد الرزاق في «التفسير» ٢٣٧٢ عن قتادة مرسلا. الخلاصة: هذه المراسيل مع الموصول عن ابن عباس تتأيد بمجموعها، ويعلم أن لهذا الخبر أصلا فهو حسن، أو يقارب الحسن، والله أعلم. وانظر «أحكام القرآن» ١٨٣٨ بتخريجنا.
عزاه المصنف لمقاتل، وهو ساقط الرواية. وورد من مرسل أبي بكر بن محمد بن عمرو بن حزم قال: نزلت في طلحة بن عبيد الله قال: إذا توفي رسول الله صلى الله عليه وسلّم تزوجت عائشة. وفيه الواقدي ساقط الحديث متروك، فلا فائدة من هذا الشاهد. وبكل حال لا يحتج بالضعاف في هذا المقام على أن الحافظ ابن حجر ذكر هذا في «الإصابة» ٢/ ٢٣٠ وقال: طلحة بن عبيد الله بن مسافع، يقال هو الذي نزل فيه وَما كانَ لَكُمْ أَنْ تُؤْذُوا ... وذكره أبو موسى في «الذيل» عن ابن شاهين بغير إسناد، وقال: إن جماعة من المفسّرين غلطوا، فظنوا أنه طلحة بن عبيد الله أحد العشرة اه. وقال القرطبي رحمه الله في «تفسيره» ١٤/ ٢٠٢:
وقال ابن عطية: وهذا عندي لا يصح على طلحة بن عبيد الله. قال شيخنا أبو العباس: وقد حكي هذا القول عن فضلاء الصحابة وحاشاهم عن مثله، وإنما الكذب في نقله، وإنما يليق هذا القول بالمنافقين الجهال.
اه.
قلت: وكون المراد طلحة بن عبيد الله أحد العشرة وفارس أحد باطل مفترى، وإن كان أحد المنافقين فهو محتمل حيث ورد من وجوه. وهذه الألفاظ إن صحت يكن قائلها منافقا، ولا يقولها مسلم.
وانظر «تفسير ابن كثير» ٣/ ٦٢١ و «فتح القدير» ٢٠٢٧ بتخريجنا و «الدر» ٥/ ٤٠٣- ٤٠٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>