للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: فَأَغْشَيْناهُمْ قال ابن قتيبة: أغشينا عيونَهم وأعميناهم عن الهُدىَ. وقرأ ابن عباس، وعكرمة، وسعيد بن جبير، والحسن، وقتادة، ويحيى بن يعمر: «فأعشيناهم» بعين غير معجمة. ثم ذكر أن الإِنذارَ لا ينفعهم لإِضلاله إيَّاهم بالآية التي بعد هذه. ثم أخبر عمَّن ينفعُه الإِنذارُ بقوله تعالى: إِنَّما تُنْذِرُ أي: إنَّما يَنفع إِنذارُك مَنِ اتَّبَعَ الذِّكْرَ وهو القرآن، فعمل به وَخَشِيَ الرَّحْمنَ بِالْغَيْبِ وقد شرحناه في الأنبياء «١» ، والأجر الكريم: الحسن، وهو الجنّة. إِنَّا نَحْنُ نُحْيِ الْمَوْتى للبعث وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا من خير وشرٍّ في دنياهم. وقرأ النخعي، والجحدري: «ويُكْتُبُ» بياء مرفوعة وفتح التاء «وآثارُهم» برفع الراء.

وفي أثارهم ثلاثة أقوال: أحدها: أنها خُطاهم بأرجُلهم، قاله الحسن، ومجاهد، وقتادة.

(١١٩٧) قال أبو سعيد الخدري: شَكَت بنو سَلِمَةَ إِلى رسول الله صلى الله عليه وسلّم بُعْدَ منازلهم من المسجد، فأنزل الله تعالى: وَنَكْتُبُ ما قَدَّمُوا وَآثارَهُمْ، فقال النبيّ صلى الله عليه وسلّم: «عليكم منازلكم، فإنّما يكتب آثارُكم» ، وقال قتادة وعمر بن عبد العزيز: لو كان اللهُ مُغْفِلاً شيئاً، لأغفل ما تعفِّي الرِّياحُ «٢» من أثرَ قَدَم ابن آدم.

والثاني: أنها الخُطا إلى الجمعة، قاله أنس بن مالك. والثالث: ما أثَروا من سُنَّة حسنة أو سيِّئة يُعْمَل بها بعدهم، قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير، واختاره الفراء، وابن قتيبة، والزجاج.

قوله تعالى: وَكُلَّ شَيْءٍ وقرأ ابن السميفع، وابن أبي عبلة: «وكُلٌّ» برفع اللام، أي: مِنَ الأعمال أَحْصَيْناهُ أي: حَفِظْناه فِي إِمامٍ مُبِينٍ وهو اللوح المحفوظ.


ذكر نزول الآية ضعيف، وأصل الحديث صحيح. أخرجه الترمذي ٣٢٢٦ والطبري ٢٩٠٧٣ وعبد الرزاق في «المصنف» ١٩٨٢ من طريق سفيان الثوري عن أبي سفيان عن أبي نضرة عن أبي سعيد الخدري ومداره على طريف بن شهاب، وهو ضعيف. قال الترمذي: هذا حديث حسن غريب من حديث الثوري، وأبو سفيان هو طريف السعدي. وأخرجه الحاكم ٢/ ٤٢٨ والواحدي في «أسباب النزول» ٧٢٠ وفي «الوسيط» ٣/ ٥١٠- ٥١١ من طريق الثوري، عن سعد بن طريف عن أبي نضرة به، وفي الإسناد قلب، والصواب طريف بن شهاب كما تقدم. وقال ابن كثير في «التفسير» عند هذه الآية: فيه غرابة من حيث ذكر نزول هذه الآية والسورة بكاملها مكية، فالله أعلم. وورد من رواية سماك عن عكرمة عن ابن عباس عند ابن ماجة ٧٨٥ والطبري ٢٩٠٦٩ و ٢٩٧٠ وقال البوصيري في «الزوائد» هذا موقوف، فيه سماك، وهو ابن حرب، وإن وثقه ابن معين، وأبو حاتم، فقد قال أحمد: مضطرب الحديث، وقال يعقوب بن شيبة: روايته عن عكرمة خاصة مضطربة، وروايته عن غيره صالحة. وأشار الحافظ في «الفتح» ٢/ ١٤٠ إلى هذه الرواية وقال: وإسناده قوي. وفيه نظر، والصواب أن إسناده ضعيف لضعف سماك في عكرمة، فقد روى عنه مناكير. والسورة مكية كلها كما قال الحافظ ابن كثير، والصواب حديث أنس بن مالك في «صحيح البخاري» وغيره، وحديث جابر عند مسلم، وليس فيه نزول الآية. قال أنس رضي الله عنه: أراد بنو سلمة أن يتحولوا إلى قرب المسجد، فكره رسول الله صلى الله عليه وسلّم أن تعرى المدينة وقال: «يا بني سلمة ألا تحتسبون آثاركم؟» فأقاموا. أخرجه البخاري ٦٥٥- ٦٥٦- ١٨٨٧ وابن ماجة ٧٨٤ وأحمد ٣/ ١٠٦ و ١٨٢ و ٢٦٣ والبيهقي ٣/ ٦٤ والبغوي في «شرح السنة» ٤٧٠ من طرق عن حميد به. وحديث جابر، أخرجه مسلم ٦٦٥ وأحمد ٣/ ٣٣٢ و ٣٣٣ و ٣٧١ و ٣٩٠ وابن حبان ٢٠٤٢ وأبو عوانة ١/ ٣٨٧ والبيهقي ٣/ ٦٤ وأبو يعلى ٢١٥٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>