للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وجمهور العلماء على أنه أراد: لولا ما تقدَّم له قبل التقام الحوت إيّاه من التسبيح، لَلَبِثَ فِي بَطْنِهِ إِلى يَوْمِ يُبْعَثُونَ قال قتادة: لصار بطن الحوت له قبراً إِلى يوم القيامة، ولكنه كان كثير الصلاة في الرّخاء، فنجاه الله تعالى بذلك.

وفي قَدْر مكثه في بطن الحوت خمسة أقوال «١» : أحدها: أربعون يوماً، قاله أنس بن مالك، وكعب، وأبو مالك، وابن جريج، والسدي. والثاني: سبعة أيام، قاله سعيد بن جبير، وعطاء.

والثالث: ثلاثة أيام، قاله مجاهد، وقتادة. والرابع: عشرون يوماً، قاله الضحاك. والخامس: بعض يوم، التقمة ضُحىً، ونبذه قبل غروب الشمس، قاله الشعبي.

قوله تعالى: فَنَبَذْناهُ قال ابن قتيبة: أي ألْقَيْناه بِالْعَراءِ وهي الأرضُ التي لا يتوارى فيها بشجر ولا غيره، فكأنّه مِنْ عَرِيَ الشَّيءُ. قوله تعالى: وَهُوَ سَقِيمٌ أي: مريض قال ابن مسعود:

كهيئة الفرخ الممعوط الذي ليس له ريش. وقال سعيد بن جبير: أوحى الله تعالى إلى الحوت أن ألْقهِ في البَرّ، فألقاه لا شَعْر عليه ولا جِلْد ولا ظُفر. قوله تعالى: وَأَنْبَتْنا عَلَيْهِ شَجَرَةً مِنْ يَقْطِينٍ قال ابن عباس: هو القرع، وقد قال أميَّة بن أبي الصلت قبل الإِسلام:

فأنْبَتَ يَقْطِيناً عَلَيْهِ بِرَحْمَةٍ ... مِنَ اللهِ لَوْلا اللهُ أُلْفِيَ ضَاحِيا

قال الزجاج: كل شجرة لا تنبت على ساق وإنما تمتدُّ على وجه الأرض نحو القرع والبطيخ والحنظل، فهي يقطين، واشتقاقه من: قَطَنَ بالمكان: إذا أقام، فهذا الشجر ورقه كلُّه على وجه الأرض، فلذلك قيل له: يقطين. قال ابن مسعود: كان يستظلُّ بها ويصيب منها فيبست فبكى عليها، فأوحى الله إليه: أتبكي على شجرة أن يبست، ولا تبكي على مائة ألف أو يزيدون أردت أن تهلكهم؟

وقال يزيد بن عبد الله بن قُسَيْط: قيَّض الله له أروية من الوحش تروح عليه بُكرة وعشيّاً فيشرب من لبنها حتى نبت لحمه. فإن قيل: ما الفائدة في إنبات شجرة اليقطين عليه دون غيرها؟ فالجواب: أنه خرج كالفرخ على ما وصفنا، وجلده قد ذاب، فأدنى شيء يَمرُّ به يؤذيه، وفي ورق اليقطين خاصيّة، وهي أنه إِذا تُرك على شيء، لم يَقربه ذباب، فأنبته الله عليه ليغطيَه ورقُها ويمنع الذبابَ ريحه أن يسقط عليه فيؤذيَه.

قوله تعالى: وَأَرْسَلْناهُ إِلى مِائَةِ أَلْفٍ اختلفوا، هل كانت رسالته قبل التقام الحوت إيّاه، أم بعد ذلك؟ على قولين: أحدهما: أنها كانت بعد نبذ الحوت إيّاه، على ما ذكرنا في سورة يونس «٢» ، وهو مروي عن ابن عباس. والثاني: أنها كانت قبل التقام الحوت له، وهو قول الأكثرين، منهم الحسن، ومجاهد، وهو الأصح، والمعنى: وكنَّا أرسلناه إِلى مائة ألف، فلمّا خرج من بطن الحوت، أُمِر أن يرجع إِلى قومه الذين أُرسِل إِليهم. وفي قوله: أَوْ ثلاثة أقوال: أحدها: أنها بمعنى «بل» ، قاله ابن عباس، والفراء. والثاني: أنها بمعنى الواو، قاله ابن قتيبة، وقد قرأ أبيّ بن كعب، ومعاذ القارئ، وأبو المتوكل، وأبو عمران الجوني: «ويزيدون» من غير ألف. والثالث: أنها على أصلها، والمعنى: أو يزيدون في تقديركم إذا رآهم الرائي قال: هؤلاء مائة ألف أو يزيدون. وفي زيادتهم أربعة أقوال:


(١) هذا الخلاف ليس بشيء لأن مرجعه كتب الإسرائيليات، والله أعلم بمقدار ذلك.
(٢) يونس: ٩٨.

<<  <  ج: ص:  >  >>