فَأَمَّا مَنْ أُوتِيَ كِتابَهُ بِيَمِينِهِ ... الآيات «١» ، قالت قريش: زعمتَ يا محمد أنّا نُؤتَى كتبنا بشمائلنا؟! فعجِّل لنا قِطَّنا، يقولون ذلك تكذيباً له، قاله أبو العالية ومقاتل. وفي المراد بالقِطِّ أربعة أقوال «٢» : أحدها: أنه الصحيفة، قاله أبو صالح عن ابن عباس. قال الفراء: القِطُّ في كلام العرب: الصَّكّ. وقال أبو عبيدة:
القِطُّ: الكتاب، والقُطُوط: الكتب بالجوائز وإلى هذا المعنى ذهب الحسن ومقاتل وابن قتيبة.
والثاني: أن القِطَّ: الحساب، رواه الضحاك عن ابن عباس. والثالث: أنه القضاء، قاله عطاء الخراساني، والمعنى أنهم لمّا وُعِدوا بالقضاء بينهم، سألوا ذلك. الرابع: أنه النصيب، قاله سعيد بن جبير. قال الزجاج: القِطُّ: النصيب، وأصله: الصحيفة يُكْتَب للإنسان فيها شيء يصل إليه، واشتقاق القطّ من قَطَطْتُ، أي: قَطَعْتُ، فالنَّصيب: هو القطعة من الشيء. ثم في هذا القول للمفسرين قولان:
أحدهما: أنهم سألوه نصيبهم من الجنة، قاله سعيد بن جبير. والثاني: سألوه نصيبهم من العذاب، قاله قتادة. وعلى جميع الأقوال، إنما سألوا ذلك استهزاءً، لتكذيبهم بالقيامة. اصْبِرْ عَلى ما يَقُولُونَ أي: من تكذيبهم وأذاهم وفي هذا قولان: أحدهما: أنه أُمِر بالصبر، سلوكاً لطريق أًولي العزم، وهذا مُحْكَم.
والثاني: أنه منسوخ بآية السيف فيما زعم الكلبي.
قوله تعالى: وَاذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ في وجه المناسبة بين قوله: «إِصبر» وبين قوله: «واُذْكُرْ عَبْدَنا داوُدَ» قولان: أحدهما: أنه أمِرَ أن يتقوّى على الصَّبر بذِكْر قُوَّة داوُد على العبادة والطاعة. والثاني: أن المعنى: عرِّفهم أن الأنبياء عليهم السلام- مع طاعتهم- كانوا خائفين منِّي، هذا داوُد مع قوَّته على العبادة، لم يزل باكياً مستغفراً، فكيف حالُهم مع أفعالهم؟! فأما قوله: ذَا الْأَيْدِ فقال ابن عباس: هي القُوَّة في العبادة. وفي «الصحيحين» من حديث عبد الله بن عمرو قال:
(١٢١٥) قال لي رسول الله صلى الله عليه وسلّم «أَحَبُّ الصِّيام إلى الله صيامُ داوُدَ، كان يصومُ يوماً ويُفْطِر يوماً، وأَحَبُّ الصَّلاة إِلى الله صلاةُ داوُد، كان ينام نِصْفَ الليل ويقومُ ثُلثه وينامَ سُدسه» .
وفي الأوّاب أقوال قد ذكرناها في بني اسرائيل «٣» . إِنَّا سَخَّرْنَا الْجِبالَ مَعَهُ يُسَبِّحْنَ قد ذكرنا تسبيح الجبال معه في سورة الأنبياء «٤» ، وذكرنا معنى العَشِيّ في مواضع مما تقدّم «٥» ، وذكرنا معنى الإشراق في الحجر «٦» عند قوله تعالى مُشْرِقِينَ. قال الزجاج: الإِشراق: طلوعُ الشمس وإِضاءتُها. وروي عن ابن عباس أنه قال: طَلَبْتُ صلاةَ الضُّحى، فلم أَجِدْها إِلاّ في هذه الآية. وقد ذكرنا عنه أن صلاة الضُّحى مذكورة في النّور «٧» في قوله تعالى: بِالْغُدُوِّ وَالْآصالِ.
صحيح. أخرجه البخاري ١١٣١ ومسلم ١١٥٩ ح ١٨٩ من طرق عن سفيان بن عيينة به.