للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فإذا وذلكَ يا كُبَيْشَةُ لَمْ يَكُنْ ... إِلاَ كَلَمَّةِ حالِمٍ بخَيالِ «١»

أي: فإذا ذلك. والثالث: الجواب: حتى إذا جاءوها فُتحتْ أبوابُها، والواو زائدة، حكاه الزجاج عن قوم من أهل اللغة.

وفي قوله تعالى: طِبْتُمْ خمسة أقوال: أحدها: أنهم إذا انْتَهَوا إِلى باب الجنة وَجدوا عند بابها شجرةً يَخرج من تحت ساقها عينان، فيَشربون من إِحداهما، فلا يبقى في بطونهم أذىً ولا قذىً إِلاّ خرج، ويغتَسلون من الأُخرى، فلا تَغْبَرُّ جلودُهم ولا تَشَعَّثُ أشعارُهم أبداً. حتى إِذا انتَهَوْا إِلى باب الجنة قال لهم عند ذلك خزنتها: «سَلامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ» ، رواه عاصم بن ضمرة عن علي رضى الله عنه «٢» ، وقد ذكرنا في الأعراف «٣» نحوه عن ابن عباس. والثاني: طاب لكم المقام، قاله ابن عباس.

والثالث: طِبْتُم بطاعة الله، قاله مجاهد. والرابع: أنهم طُيِّبوا قَبْلَ دخول الجنة بالمغفرة، واقتُصَّ من بَعْضِهم لِبَعْض، فلمّا هُذِّبوا قالت لهم الخََزَنَةُ: طِبْتُم، قاله قتادة «٤» . والخامس: كنتم طيّبين في الدُّنيا، قاله الزجاج. فلمّا دخَلوها قالوا: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنا وَعْدَهُ بالجنة وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ أي أرض الجنة نتبوَّأ منها حيثُ نشاء منها أي: نَتَّخِذُ فيها من المنازل ما نشاء. وحكى أبو سليمان الدمشقي أن أُمَّة محمد صلّى الله عليه وسلّم يدخلون الجنة قبل الأمم، فينزلون منها حيث شاؤوا، ثم تنزل الأُمم بعدهم فيها، فلذلك قالوا: نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشاءُ يقول الله عزّ وجلّ: فَنِعْمَ أَجْرُ الْعامِلِينَ أي: نِعْمَ ثوابُ المُطِيعِينَ في الدُّنيا الجنة.

قوله تعالى: وَتَرَى الْمَلائِكَةَ حَافِّينَ مِنْ حَوْلِ الْعَرْشِ: أي مُحْدِقِينَ به، يُقال: حَفَّ القومُ بفلانٍ: إِذا أَحْدَقوا به ودخلتْ «مِنْ» للتوكيد، كقولك: ما جاءني من أحدٍ. يُسَبِّحُونَ بِحَمْدِ رَبِّهِمْ قال السدي، ومقاتل: بأَمْرِ ربِّهم. وقال بعضهم: يُسَبِّحونَ بالحمد له حيث دخل الموحِّدون الجنة. وقال ابن جرير: التَّسبيح هاهنا بمعنى الصَّلاة.

قوله تعالى: وَقُضِيَ بَيْنَهُمْ أي: بينَ الخلائق بِالْحَقِّ أي: بالعَدْلِ وَقِيلَ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعالَمِينَ هذا قول أهل الجنة شُكْراً لله تعالى على إِنعامه. قال المفسِّرون: ابتدأ اللهُ ذِكْرَ الخَلْق بالحَمْدِ فقال: الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي خَلَقَ السَّماواتِ وَالْأَرْضَ «٥» وختم غاية الأمر- وهو استقرار الفريقين في منازلهم- بالحمد لله بهذه الآية، فنبَّه على تحميده في بداية كلّ أمر وخاتمته.


(١) البيت لتميم بن مقبل، وهو في ديوانه ٢٥٩.
(٢) أخرجه الطبري ٣٠٢٥٤ وابن المبارك في «الزهد» ص ٥٠٩- ٥١٠ والبيهقي في «البعث» ٢٧٢ عن عاصم عن علي، وإسناده لا بأس به.
(٣) الأعراف: ٤٤.
(٤) ورد في هذا المعنى حديث أخرجه البخاري ٢٤٤٠ و ٦٥٣٥ وابن أبي عاصم ٨٥ وابن مندة في «الإيمان» ٨٣٨ واستدركه الحاكم ٢/ ٣٥٤ وابن حبان ٧٤٣٤ كلهم عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم:
«يخلص المؤمنون من النار منحبسون على قنطرة بين الجنة والنار فيقتص بعضهم من بعض مظالم كانت بينهم في الدنيا، حتى إذا هُذِّبوا ونُقّوا أذن لهم في دخول الجنة، فو الذي نفس محمد بيده لأحدكم أهدى بمنزله في الجنة منه بمنزله كان في الدنيا» لفظ البخاري. وانظر «تفسير القرطبي» ٥٣٤٠ بتخريجنا. [.....]
(٥) الأنعام: ١.

<<  <  ج: ص:  >  >>