للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

إِحْساناً بألف. حَمَلَتْهُ أُمُّهُ كُرْهاً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: «كَرْهاً» بفتح الكاف، وقرأ الباقون بضمها. قال الفراء: والنحويُّون يستحبُّون الضَّمَّ هاهنا، ويكرهون الفتح، للعلَّة التي بيَّنّاها عند قوله: وَهُوَ كُرْهٌ لَكُمْ «١» ، قال الزجاج: والمعنى: حملته على مشقَّة وَوَضَعَتْهُ على مشقَّة.

وَفِصالُهُ أي: فِطامُه. وقرأ يعقوب: «وفصله» بفتح الفاء وسكون الصاد من غير ألف ثَلاثُونَ شَهْراً. قال ابن عباس: «ووضعتْه كُرْهاً» يريد به شِدَّةَ الطَّلْق. واعلم أن هذه المُدَّة قُدِّرتْ لأقلِّ الحَمْل وأكثرِ الرَّضاع فأمّا الأشُدّ، ففيه أقوال قد تقدَّمت واختار الزجاج أنه بلوغ ثلاث وثلاثين سنة، لأنه وقت كمال الإِنسان في بدنه وقوَّته واستحكام شأنه وتمييزه. وقال ابن قتيبة: أشُدُّ الرجُل غير أشُدِّ اليتيم، لأن أشُدَّ الرجُل: الاكتهال والحُنْكَةُ وأن يشتدَّ رأيُه وعقلُه، وذلك ثلاثون سنة، ويقال: ثمان وثلاثون سنة، وأشُدُّ الغُلام: أن يشتدَّ خَلْقُه ويتناهى نَبَاتُه. وقد ذكرنا بيان الأَشُد في الانعام «٢» وفي يوسف «٣» وهذا تحقيقه. واختلفوا فيمن نزلت هذه الآية على ثلاثة أقوال:

(١٢٦٤) أحدها: أنها نزلت في أبي بكر الصّدّيق رضي الله عنه، وذلك أنه صحب رسول الله صلّى الله عليه وسلّم وهو ابن ثمان عشرة سنة ورسول الله صلّى الله عليه وسلّم ابن عشرين سنة وهم يريدون الشام في تجارة، فنزلوا منزلاً فيه سِدْرَة، فقعد رسولُ الله صلّى الله عليه وسلّم في ظِلِّها، ومضى أبو بكر إلى راهب هناك يسأله عن الدين، فقال له: مَن الرَّجُل الذي في ظِلِّ السِّدْرة؟ فقال: ذاك محمد بن عبد الله بن عبد المطلب، فقال: هذا واللهِ نبيٌّ، وما استَظَلَّ تحتَها أحدٌ بعد عيسى إِلاّ محمدٌ نبيُّ الله، فوقع في قلب أبي بكر اليقين والتصديق، فكان لا يفارق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم في أسفاره وحضره، فلمّا نبّئ رسول الله صلّى الله عليه وسلّم- وهو ابن أربعين سنة وأبو بكر ابن ثمان وثلاثين سنة- صدّق رسول الله صلّى الله عليه وسلّم، فلمّا بلغ أربعين سنة قال: رب أَوْزِعْني أن أشكُرََ نِعمتَكَ التي أنعمت عليَّ، رواه عطاء عن ابن عباس، وبه قال الأكثرون: قالوا: فلما بلغ أبو بكر أربعين سنة، دعا الله عزّ وجلّ بما ذكره في هذه الآية، فأجابه الله، فأسلم والداه وأولاده ذكورُهم وإناثُهم، ولم يجتمع ذلك لغيره من الصحابة.

والقول الثاني: أنها نزلت في سعد بن أبي وقاص، وقد شرحنا قصته في العنكبوت «٤» ، وهذا مذهب الضحاك، والسدي. والثالث: أنها نزلت على العموم، قاله الحسن.

وقد شرحنا في سورة النمل «٥» معنى قوله: أَوْزِعْنِي.

قوله تعالى: وَأَنْ أَعْمَلَ صالِحاً تَرْضاهُ قال ابن عباس: أجابه الله- يعني أبا بكر- فأعتق تسعةً من المؤمنين كانوا يُعذَّبون في الله عزّ وجلّ، ولم يُرِدْ شيئاً من الخير إِلاّ أعانه اللهُ عليه، واستجاب له في ذُرِّيته فآمنوا، إِنِّي تُبْتُ إِلَيْكَ أي: رَجَعْتَ إِلى كل ما تحبّ.


ذكره الواحدي في «أسباب النزول» ٧٤٥ عن ابن عباس من رواية عطاء بدون إسناد، ولم أقف عليه، فهو لا شيء لخلوه عن الإسناد، وعزاه السيوطي في «الدر» ٦/ ١٠ لابن مردويه لكن ساقه مختصرا، وتفرد ابن مردويه به دليل وهنه.

<<  <  ج: ص:  >  >>