للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

صرفوا «رفارف» قال ثعلب: إنما لم يقل: أخضر، لأن الرَّفرف جمع، واحدته: رفرفة، كقوله: الَّذِي جَعَلَ لَكُمْ مِنَ الشَّجَرِ الْأَخْضَرِ نارا «١» ولم يقل: الخُضْر، لأن الشجر جمع، تقول: هذا حصىً أبيض، وحصى أسود، قال الشاعر:

أَحَقّاً عِبادَ اللِه أنْ لستُ ماشياً ... بِهِرْجَابَ ما دامَ الأَراكُ به خُضْرا

واختلف المفسرون في المراد بالرَّفرف على ثلاثة أقوال: أحدها: فضول المجالس والبُسُط، رواه العوفي عن ابن عباس. وقال أبو عبيدة: هي: الفُرُش والبُسط. وحكى الفراء، وابن قتيبة: أنها المجالس. وقال النّقّاش: الرّفرف: المجالس الخُضْر فوق الفْرُش. والثاني: أنها رياض الجنة، رواه أبو صالح عن ابن عباس، وبه قال سعيد بن جبير رياض الجنّة: خضراء مخصبة. والثالث: أنها الوسائد، قاله الحسن.

قوله تعالى: وَعَبْقَرِيٍّ حِسانٍ فيه قولان: أحدهما: أنها الزَّرابيّ، قاله ابن عباس، وعطاء، وقتادة، والضحاك، وابن زيد، وكذلك قال ابن قتيبة: العبقريّ: الطّنافِس الثِّخان. قال أبو عبيدة: يقال لكل شيء من البُسُط: عبقريّ. والثاني: أنه الدِّيباج الغليظ، قاله مجاهد. قال الزجاج: أصل العبقريّ في اللغة أنه صفة لكل ما بُولِغَ في وصفه، وأصلُه أن عبقر: بلد كان يوشى فيه البُسط وغيرها، فنُسب كل شيء جيِّد إليه، قال زهير:

بِخَيْلٍ عليها جِنَّةٌ عَبْقَرِيَّةٌ ... جَدِيرونَ يَوْماً أن يَنالوا فيَسْتَعْلُوا

وقرأ عثمان بن عفان وعاصم الجحدري وابن محيصن: «وعَباقِرِيَّ» بألف مكسورة القاف مفتوحة الياء من غير تنوين قال الزّجّاج: لا وجه لهذه القراءة في العربية، لأن الجمع الذي بعد ألفه حرفان، نحو: مساجد ومصباح، لا يجوز أن يكون فيه مثل عباقِرِي، لأن ما جاوز الثلاثة لا يُجمع بياء النّسب، فلو جمعت «عبقريّ» فإنّ جمعُه «عباقرة» ، كما أنك لو جمعت «مُهلبيّ» كان جمعه «مَهالبة» ، ولم تقل:

«مَهالبيّ» ، قال: فإن قيل «عبقريّ» واحد، و «حِسَان» جمع، فكيف جاز هذا؟ فالأصل أنّ واحدة هذا «عبقرية» والجمع «عبقري» ، كما تقول: ثمرة وثمر، ولَوْزة ولَوْز، ويكون أيضاً «عبقري» اسماً للجنس.

وقرأ الضحاك وأبو العالية وأبو عمران: «وعَباقِرِيٍّ» بألف مع التنوين.

قوله عزّ وجلّ: تَبارَكَ اسْمُ رَبِّكَ فيه قولان: أحدهما: أن ذِكْر «الاسم» صِلَة، والمعنى: تبارك ربُّك. والثاني: أنه أصل، قال ابن الأنباري: المعنى: تفاعل من البركة، أي: البركة تكتب وتنال وتكسب بذِكْر اسمه. وقد بيَّنّا معنى «تبارك» في «الأعراف» «٢» ، وذكرنا في هذه السورة معنى ذِي الْجَلالِ وَالْإِكْرامِ «٣» ، وكان ابن عامر يقرأ: «ذو الجلال» وكذلك هي في مصاحف أهل الشام والباقون: «ذي الجلال» وكذلك هي في مصاحف أهل الحجاز والعراق، وهم متفقون على الموضع الأول أنه «ذو» .


(١) يس: ٨٠.
(٢) الأعراف: ٥٤.
(٣) الرحمن: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>