للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الكِبَر: إنه لمخلَّد، هذا قول الجمهور. والثاني: أنهم المُقَرَّطُون، ويقال: المُسَوَّرون، ذكره الفراء، وابن قتيبة، وانشدوا في ذلك:

ومُخْلَّداتٌ باللُّجَيْنِ كأنَّما ... أعجازهنّ أقاوز الكثبان «١»

قوله عزّ وجلّ: بِأَكْوابٍ وَأَبارِيقَ الكوب: إناء لا عروة له ولا خُرطوم، وقد ذكرناه في الزخرف «٢» ، والأباريق: آنية لها عُرىً وخراطيم وقرأت على شيخنا أبي منصور اللغوي قال: الإبريق:

فارسيّ معرَّب، وترجمتُه من الفارسية أحدُ شيئين إمّا أن يكون: طريقَ الماء، أو: صبَّ الماءِ على هينة، وقد تكلمتْ به العربُ قديماً، قال عديُّ بن زيد:

ودَعَا بالصَّبُوحِ يوماً فجاءتْ ... قينة في يمينها إبريق

وباقي الآية في «الصّافّات» «٣» .

قوله عزّ وجلّ لا يُصَدَّعُونَ عَنْها وَلا يُنْزِفُونَ فيه قولان: أحدهما: لا يَلْحَقُهم الصُّداع الذي يلحق شاربي خمر الدنيا. و «عنها» كناية عن الكأس المذكورة، والمراد بها: الخمر، وهذا قول الجمهور.

والثاني: لا يتفرَّقون عنها، من قولك: صدَّعْتُه فانْصَدَع، حكاه ابن قتيبة. قوله «ولا ينزفون» مفسّر في «الصّافّات» «٤» .

قوله عزّ وجلّ: مِمَّا يَتَخَيَّرُونَ أي: يختارون، تقول: تخيَّرتُ الشيءَ: إذا أخذت خيره.

قوله عزّ وجلّ: وَلَحْمِ طَيْرٍ قال ابن عباس: يخطُر على قلبه الطير، فيصير ممثَّلاً بين يديه على ما اشتهي. وقال مغيث بن سميّ: يقع على أغصان شجرة طوبى كأمثال البُخْت. فإذا اشتهى الرجل طيراً دعاه، فيجيء حتى يقع على خوانه، فيأكل من أحد جانبيه قديداً والآخرِ شِواءً، ثم يعود طيرا فيطير فيذهب.

قوله عزّ وجلّ: وَحُورٌ عِينٌ قرأ ابن كثير وعاصم ونافع وأبو عمرو وابن عامر: «وُحورٌ عِينٌ» بالرفع فيهما. وقرأ أبو جعفر وحمزة والكسائي والمفضل عن عاصم: بالخفض فيهما. وقرأ أُبيُّ بن كعب وعائشة وأبو العالية وعاصم الجحدري: «وحُوراً عِيناً» بالنصب فيهما. قال الزجاج: والذين رفعوا كرهوا الخفض، لأنه معطوف على قوله: يَطُوفُ عَلَيْهِمْ، قالوا: والحُور ليس ممّا يطاف به، ولكنه مخفوض على غير ما ذهب إليه هؤلاء لأن المعنى: يطوف عليهم ولدانٌ مخلَّدون بأكواب ينعّمون بها، فكذلك ينعّمون بلحم طير، وكذلك ينعّمون بحور عين، والرفع أحسن، والمعنى فلهم حُورٌ عِينٌ، ومن قرأ «وحُوراً عِيناً» حمله على المعنى، لأن المعنى: يُعطَون هذه الأشياء ويُعطَون حُوراً عِيناً، إلاّ أنها تُخالِف المصحف فيكره. ومعنى كَأَمْثالِ اللُّؤْلُؤِ أي: صفاؤهنّ وتلألؤهنّ شديد كصفاء اللُّؤلؤ وتلألئه. والمكنون: الذي لم يغيِّره الزمان واختلاف أحوال في الاستعمال، فهُنَّ كاللؤلؤ حين يخرج من صدفه. جَزاءً منصوب مفعول له والمعنى: يُفعل بهم ذلك جزاء بأعمالهم، وجوّز أن يكون منصوباً على أنه مصدر لأن معنى «يطوف عليهم ولِدانٌ مخلَّدون» : يُجازَون جزاءً بأعمالهم وأكثر النّحويّين على هذا الوجه.


(١) في «القاموس» القوز: المستدير من الرمل والكثيب المشرف.
(٢) الزخرف: ٧٢.
(٣) الصافات: ٤٦.
(٤) الصافات: ٤٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>