للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

أوجبتم لهن شيئاً التزمتم به، وهو المهر إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ، يعني: النساء، وعفو المرأة: ترك حقّها من الصّداق. وفي الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ ثلاثة أقوال «١» : أحدها: أنه الزّوج، وهو قول عليّ، وجبير بن مطعم، وابن المسيب، وابن جبير، ومجاهد، وشريح، وجابر بن زيد، والضحاك، ومحمد بن كعب القرظي، والربيع بن أنس، وابن شبرمة، والشافعي، وأحمد رضي الله عنهم في آخرين. والثاني: أنه الولي، روي عن ابن عباس، والحسن، وعلقمة، وطاوس، والشعبي، وابراهيم في آخرين. والثالث: أنه أبو البكر، روي عن ابن عباس، والزهري، والسدي في آخرين. فعلى القول الأول عفو الزوج: أن يكمل لها الصداق، وعلى الثاني: عفو الولي: ترك حقها إذا أبت، روي عن ابن عباس، وأبي الشعثاء. وعلى الثالث يكون قوله: إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ يختص بالثيبات. وقوله:


(١) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ١٠/ ١٦٠: اختلف أهل العلم في الذي بيده عقدة النكاح، فظاهر مذهب أحمد رحمه الله. أنه الزوج. وروي ذلك عن عليّ وابن عباس، وجبير بن مطعم رضي الله عنهم، وبه قال سعيد بن المسيب، وشريح، وسعيد بن جبير، ونافع بن جبير، ونافع مولى ابن عمر، ومجاهد وإياس بن معاوية، وجابر بن زيد، وابن سيرين، والشّعبي والثوري، وإسحاق، وأصحاب الرأي. والشافعي في الجديد وعن أحمد أنه الوليّ إذا كان أبا الصغيرة وهو قول الشافعي القديم إذا كان أبا أو جدا وحكي عن ابن عباس وعلقمة والحسن وطاوس والزهري وربيعة ومالك، أنه الوليّ لأن الوليّ بعد الطلاق هو الذي بيده عقدة النكاح، لكونها قد خرجت عن يد الزّوج ولأن الله تعالى ذكر عفو النساء عن نصيبهنّ، فينبغي أن يكون عفو الذي بيده عقدة النكاح عنه، ليكون المعفو عنه في الموضعين واحدا، ولأن الله تعالى بدأ بخطاب الأزواج على المواجهة بقوله وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ ثم قال: أَوْ يَعْفُوَا الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكاحِ وهذا خطاب غير حاضر. ولنا، ما روى أنه الدارقطني بإسناده عن عمرو بن شعيب، عن أبيه عن جده عن النبي صلّى الله عليه وسلّم أنه قال: «وليّ العقدة الزوج» ولأن الذي بيده عقدة النكاح بعد العقد هو الزوج فإنه يتمكّن من قطعه وفسخه وإمساكه، وليس إلى الوليّ منه شيء، ولأنّ الله تعالى قال: وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوى والعفو الذي هو أقرب إلى التّقوى ولأن المهر مال للزوجة، فلا يملك الوليّ هبته وإسقاطه، كغيره من أموالها وحقوقها، كسائر الأولياء، ولا يمتنع العدول عن خطاب الحاضر إلى خطاب الغائب كقوله تعالى: قُلْ أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّما عَلَيْهِ ما حُمِّلَ وَعَلَيْكُمْ ما حُمِّلْتُمْ. فعلى هذا متى طلق الزّوج قبل الدخول تنصّف المهر بينما إن عفا الزّوج لها عن النّصف الذي له، كمل لها الصّداق جميعه، وإن عفت المرأة عن النّصف الذي لها منه، وتركت له جميع الصداق، جاز إذا كان العافي منهما رشيدا جائزا تصرّفه في ماله، وإن كان صغيرا أو سفيها، لم يصحّ عفوه لأنّه ليس له التّصرّف في ماله بهبة ولا إسقاط. ولا يصحّ عفو الوليّ عن صداق الزّوجة، أبا كان أو غيره، صغيرة كانت أو كبيرة. نصّ عليه أحمد، في رواية الجماعة، وروى عنه ابن منصور: إذا طلّق امرأته وهي بكر قبل أن يدخل بها، فعفا أبوها أو زوجها، ما أرى عفو الأب إلّا جائزا. قال أبو حفص: ما أرى ما نقله ابن منصور إلّا قولا لأبي عبد الله قديما. وظاهر قول أبي حفص أن المسألة رواية واحدة، وأن أبا عبد الله رجع عن قوله بجواز عفو الأب وهو الصحيح، لأن مذهبه أنه لا يجوز للأب إسقاط ديون ولده الصغير ولا إعتاق عبيده، ولا تصرّفه له إلّا بما فيه مصلحته ولا حظّ لها في هذا الإسقاط فلا يصح- وإن قلنا برواية ابن منصور، لم يصحّ إلّا بخمس شرائط: الأول أن يكون أبا لأنّه الذي يلي مالها، ولا يتّهم عليه. والثاني أن تكون صغيرة ليكون وليا على مالها، فإنّ الكبيرة تلي مال نفسها. الثالث أن تكون بكرا لتكون غير مبتذلة، ولأنّه لا يملك تزويج الثيّب وإن كانت صغيرة، فلا تكون ولايته عليها تامة. الرابع، أن تكون مطلقة، لأنها قبل الطلاق معرّضة لإتلاف البضع. الخامس أن تكون قبل الدّخول، لأنّ ما بعده قد أتلف البضع فلا يعفو عن بدل متلف. ومذهب الشافعيّ على نحو هذا إلّا أنّه يجعل الجدّ كالأب.

<<  <  ج: ص:  >  >>