للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي قوله عزّ وجلّ: فَزادُوهُمْ رَهَقاً قولان: أحدهما: أن الإنس زادوا الجن رهقاً لتعوُّذهم بهم، قاله مقاتل. والمعنى: أنهم لما استعاذوا بسادتهم قالت السادة: قد سدنا الجن والإنس. والثاني: أن الجن زادوا الإنس رَهَقاً، ذكره الزجاج. قال أبو عبيدة: زادوهم سَفَهَاً وطغياناً. وقال ابن قتيبة: زادوهم ضلالاً. وأصل الرهق: العيب. ومنه يقال: فلان يرهق في دينه.

قوله عزّ وجلّ: وَأَنَّهُمْ ظَنُّوا بقول الله عزّ وجلّ: ظن الجن كَما ظَنَنْتُمْ أيها الإنس المشركون أنه لا بعث. وقالت الجن: وَأَنَّا لَمَسْنَا السَّماءَ أي: أتيناها فَوَجَدْناها مُلِئَتْ حَرَساً شَدِيداً وهم الملائكة الذين يحرسونها من استراق السمع وَشُهُباً جمع شهاب، وهو النجم المضيء وَأَنَّا كُنَّا نَقْعُدُ مِنْها مَقاعِدَ لِلسَّمْعِ أي: كنا نستمع، فالآن حين حاولنا الاستماع بعد بعث محمّد صلّى الله عليه وسلم رُمِينا بالشُّهُب. ومعنى «رصداً» قد أرصد له المرمى به وَأَنَّا لا نَدْرِي أَشَرٌّ أُرِيدَ بِمَنْ فِي الْأَرْضِ بإرسال محمد إليهم، فيكذبونه، فيهلكون أَمْ أَرادَ بِهِمْ رَبُّهُمْ رَشَداً وهو أن يؤمنوا فيهتدوا، قاله مقاتل.

والثاني: أنه قول كفرة الجن، والمعنى: لا ندري أشرٌّ أريدَ بمن في الأرض بحدوث الرجم بالكواكب، أم صلاح؟ قاله الفراء. ثم أخبروا عن حالهم، فقالوا: وَأَنَّا مِنَّا الصَّالِحُونَ وهم المؤمنون المخلصون وَمِنَّا دُونَ ذلِكَ فيه قولان: أحدهما: المشركون. والثاني: أنهم أهل الشرِّ دون الشرك كُنَّا طَرائِقَ قِدَداً قال الفراء: أي: فرقاً مختلفة أهواؤنا. وقال أبو عبيدة: واحد الطرائق: طريقة، وواحد القِددِ: قدة، أي: ضروباً وأجناساً ومِلَلاً. قال الحسن، والسدي: الجن مثلكم، فمنهم قدريّة، ومرجئة، ورافضة.

قوله عزّ وجلّ: وَأَنَّا ظَنَنَّا أي: أيقنَّا أَنْ لَنْ نُعْجِزَ اللَّهَ فِي الْأَرْضِ أي: لن نَفُوتَه إِذا أراد بنا أمراً وَلَنْ نُعْجِزَهُ هَرَباً أي: أنه يدركنا حيث كنَّا وَأَنَّا لَمَّا سَمِعْنَا الْهُدى وهو القرآن الذي أتى به محمد صلّى الله عليه وسلم آمَنَّا بِهِ أي: صدَّقنا أنه من عند الله عزّ وجلّ، فَمَنْ يُؤْمِنْ بِرَبِّهِ فَلا يَخافُ بَخْساً أي: نقصاً من الثواب وَلا رَهَقاً أي: ولا ظلماً ومكروهاً يغشاه وَأَنَّا مِنَّا الْمُسْلِمُونَ قال مقاتل: المخلصون لله وَمِنَّا الْقاسِطُونَ وهم المَرَدَة. قال ابن قتيبة: القاسطون: الجائرون. يقال: قسط: إذا عدل، إذا جاور، وأقسط: إذا عدل. قال المفسرون: هم الكافرون فَمَنْ أَسْلَمَ فَأُولئِكَ تَحَرَّوْا رَشَداً أي: تَوَخَّوْه، وأَمَّوْه. ثم انقطع كلام الجن. قال مقاتل: ثم رجع إلى كفّار مكّة فقال عزّ وجلّ: وَأَنْ لَوِ اسْتَقامُوا عَلَى الطَّرِيقَةِ يعني: طريقة الهدى، وهذا قول ابن عباس، وسعيد بن المسيب، والحسن، ومجاهد وقتادة والسدي، واختاره الزجاج، قال: لأن الطريقة هاهنا بالألف واللام معرفة، فالأوجب أن تكون طريقة الهدى: وذهب قوم إلى أن المراد بها طريقة الكفر، قال محمد بن كعب، والربيع، والفراء، وابن قتيبة، وابن كيسان. فعلى القول الأول يكون المعنى: لو آمنوا لوسَّعنا عليهم لِنَفْتِنَهُمْ أي: لنختبرَهم فِيهِ فننظر كيف شُكْرُهم. والماء الغَدَق: الكثير. وإنما ذكر الماء مثلاً، لأن الخير كله يكون بالمطر، فأقيم مقامه إِذ كان سببه.

وعلى الثاني: يكون المعنى: لو استقاموا على الكفر فكانوا كفاراً كلهم، لأكثرنا لهم المال لنفتنهم فيه عقوبة واستدراجا، ثم نعذبهم على ذلك. وقيل: لأكثرنا لهم الماء فأغرقناهم، كقوم نوح، قوله:

وَمَنْ يُعْرِضْ عَنْ ذِكْرِ رَبِّهِ يعني: القرآن يَسْلُكْهُ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «نسلكه» بالنون. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائيّ يسلكه بالياء. عَذاباً صَعَداً قال ابن قتيبة: أي:

<<  <  ج: ص:  >  >>