للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

والمعنى: أنه لما قام يصلي كاد الجن لازدحامهم عليه يركب بعضهم بعضاً، حِرْصاً على سماع القرآن، رواه عطية عن ابن عباس. والثاني: أنه من قول الجن لقومهم لما رجعوا إليهم، فوصفوا لهم طاعة أصحاب رسول الله صلّى الله عليه وسلم وائتمامهم به في الركوع، والسجود، فكأنهم قالوا: لما قام يصلي كاد أصحابه يكونون عليه لبداً. وهذا المعنى في رواية ابن جبير عن ابن عباس. والثالث: أن المعنى: لما قام رسول الله صلّى الله عليه وسلم بالدَّعوة تلبَّدت الإنس والجن، وتظاهروا عليه، ليبطلوا الحق الذي جاء به، قاله الحسن، وقتادة، وابن زيد.

قوله عزّ وجلّ: قُلْ إِنَّما أَدْعُوا رَبِّي قرأ عاصم، وحمزة «قل إنما أدعو ربي» بغير ألف. وقرأ الباقون «قال» على الخبر عن النبيّ صلّى الله عليه وسلم. قال مقاتل: إن كفار مكة قالوا للنبي صلّى الله عليه وسلم: إنك جئت بأمر عظيم لم يسمع بمثله فارجع عنه، فنزلت هذه الآية «١» .

قوله عزّ وجلّ: قُلْ إِنِّي لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا أي: لا أدفعه عنكم وَلا أسوق إليكم رَشَداً أي: خيراً، أي: إن الله تعالى يملك ذلك، لا أنا قُلْ إِنِّي لَنْ يُجِيرَنِي مِنَ اللَّهِ أَحَدٌ أي: إن عصيته لم يمنعني منه أحد، وذلك أنهم قالوا له: اترك ما تدعو إليه ونحن نجيرك وَلَنْ أَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَداً قد بيّنّاه في الكهف «٢» قوله: إِلَّا بَلاغاً مِنَ اللَّهِ فيه وجهان، ذكرهما الفرّاء: أحدهما: أنه استثناء من قوله عزّ وجلّ: لا أَمْلِكُ لَكُمْ ضَرًّا وَلا رَشَداً إلا أن أبلغكم. والثاني: لن يجيرني من الله أحد إِن لم أبلِّغ رسالته. وبالأول قال ابن السائب. وبالثاني قال مقاتل. وقال بعضهم: المعنى: لن يجيرني من عذاب الله إلا أن أبلّغ عن الله ما أرسلت به، فذلك البلاغ هو الذي يجيرني. وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ بترك الإيمان والتوحيد.

قوله عزّ وجلّ: حَتَّى إِذا رَأَوْا يعني: الكفار ما يُوعَدُونَ من العذاب في الدنيا، وهو القتل، وفي الآخرة فَسَيَعْلَمُونَ مَنْ أَضْعَفُ ناصِراً وَأَقَلُّ عَدَداً أي: جندا ونصيرا، أهم، أم المؤمنون؟ قُلْ إِنْ أَدْرِي أي: ما أدري أَقَرِيبٌ ما تُوعَدُونَ من العذاب أَمْ يَجْعَلُ لَهُ رَبِّي أَمَداً أي: غاية وبُعْداً.

وذلك لأن علم الغيب لله وحده فَلا يُظْهِرُ أي: فلا يُطلِع على غيبه الذي يعلمه أحداً من الناس إِلَّا مَنِ ارْتَضى مِنْ رَسُولٍ لأن من الدليل على صدق الرسل إخبارَهم بالغيب. والمعنى: أن من ارتضاه للرسالة أطلعه على ما شاء من غيبه. وفي هذا دليل على أن من زعم أن النجوم تدلّه على الغيب فهو كافر. ثم ذكر أنه يحفظ ذلك الذي يطلع عليه الرسول فقال عزّ وجلّ: فَإِنَّهُ يَسْلُكُ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ أي:

من بين يدي الرسول وَمِنْ خَلْفِهِ رَصَداً أي: يجعل له حَفَظَةً من الملائكة يحفظون الوحي من أن يسترقه الشياطين، فتلقيه إلى الكَهَنة، فيتكلَّمون به قبل أن يخبر النبيّ صلّى الله عليه وسلم الناس. وقال الزّجّاج يسلك


(١) عزاه المصنف لمقاتل، وهو ممن يضع الحديث، فهذا خبر لا شيء.
(٢) الكهف: ٢٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>