للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

مزاج الكأس كافُوراً وفيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنه الكافور المعروف، قاله مجاهد، ومقاتل، فعلى هذا في المراد «بالكافور» ثلاثة أقوال: أحدها: برده، قاله الحسن. والثاني: ريحه، قاله قتادة.

والثالث: طعمه، قاله السدي. والثاني: أنه اسم عين في الجنة، قاله عطاء، وابن السائب. والثالث: أن المعنى: مزاجها كالكافور لطيب ريحه، وأجازه الفراء، والزجاج.

قوله عزّ وجلّ: عَيْناً قال الفراء: هي المفسرة للكافور، وقال الأخفش: هي منصوبة على معنى: أعني عيناً. وقال الزجاج: الأجود أن يكون المعنى: من عين، قوله: يَشْرَبُ بِها فيه ثلاثة أقوال: أحدها: يشرب منها. والثاني: يشربها، والباء صلة. والثالث: يشرب بها عباد الله الخمر يمزجونها بها.

وفي هذه العين قولان: أحدهما: أنها الكافور الذي سبق ذكره. والثاني: التّسنيم، وعِبادُ اللَّهِ هاهنا: أولياؤه يُفَجِّرُونَها تَفْجِيراً قال مجاهد: يقودونها إلى حيث شاؤوا من الجنة. قال الفراء: حيث ما أحب الرجل من أهل الجنّة فجّرها لنفسه.

قوله عزّ وجلّ: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ قال الفراء: فيه إضمار «كانوا» يوفون بالنذر. وفيه قولان «١» :

أحدهما: يوفون بالنذر إذا نذروا في طاعة الله، قاله مجاهد، وعكرمة. والثاني: يوفون بما فرض الله عليهم، قاله قتادة. ومعنى «النذر» في اللغة: الإيجاب. فالمعنى يوفون بالواجب عليهم، قوله: وَيَخافُونَ يَوْماً كانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيراً قال ابن عباس: فاشياً. وقال ابن قتيبة: فاشياً منتشراً. يقال: استطار الحريق: إِذا انتشر، واستطار الفجر: إذا انتشر الضوء. وأنشدوا للأعشى:


(١) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٤/ ٥٣٦: وقوله تعالى: يُوفُونَ بِالنَّذْرِ أي: يتعبدون الله فيما أوجبه عليهم من فعل الطاعات الواجبة بأصل الشرع وما أوجبوه على أنفسهم بطريق النذر.
وقال القرطبي رحمه الله في «الجامع لأحكام القرآن» ١٩/ ١١٥: أي لا يخلفون إذا نذروا. وقال معمر عن قتادة: بما فرض الله عليهم من الصلاة والزكاة والحج والعمرة، وغيره من الواجبات. والنذر: حقيقته ما أوجبه المكلف على نفسه في شيء يفعله، وإن شئت قلت: النذر: هو إيجاب المكلف على نفسه من الطاعات ما لو لم يوجبه لم يلزمه. وقد قال الله تعالى: ثُمَّ لْيَقْضُوا تَفَثَهُمْ وَلْيُوفُوا نُذُورَهُمْ [الحج: ٢٩]- أي أعمال نسكهم التي ألزموها أنفسهم امتثال أمر الله بإحرامهم الحج. وهذا يقوي قول قتادة. قال ابن العربي رحمه الله في «الأحكام» ٤/ ٣٥٣: النذر مكروه بالجملة، ثبت في الصحيح عن مالك عن أبي الزناد، عن عبد الرحمن بن هرمز، عن أبي هريرة رضي الله عنه، أن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: «قال تعالى: لا يأتي النذر على ابن آدم بشيء لم أكن قدّرته له، إنما يستخرج به من البخيل» - قلت: حديث صحيح. أخرجه أحمد ٢/ ٢٤٢ والحميدي ١١١٢ والطحاوي في «المشكل» ٨٤٢ من طريق سفيان عن أبي الزناد عن الأعرج عن أبي هريرة عن النبي صلّى الله عليه وسلم قال: قال الله تعالى. وأخرجه أبو داود ٣٢٨٨ من طريق مالك به ولم يقل: «قال الله تعالى: ... » وأخرجه البخاري ٦٦٩٤ والنسائي ٧/ ١٠٦. من طريق أبي الزناد به، وليس فيه «قال الله تعالى» .
وأخرجه البخاري ٦٦٩٤ ومسلم ١٦٤٠ والنسائي ٧/ ١٦- ١٧ والترمذي ١٥٣٨ وابن ماجة ٢١٢٣ وأحمد ٢/ ٣٧٣ و ٤١٢ و ٤٦٣ وابن أبي عاصم في «السنة» ٣١٢ وابن حبان ٤٣٧٦ والحاكم ٤/ ٣٠٤ والبيهقي ١٠/ ٧٧ من طريق عبد الرحمن الأعرج به. ولم يقل: «قال الله تعالى» . قال ابن العربي: وذلك لفقه صحيح، وهو أن الباري سبحانه وعد بالرزق على العمل ومنه مفروض، ومنه مندوب، فإذا عين العبد ليستدر به الرزق، أو يستجلب به الخير، أو يستدفع به الشر لم يصل إليه به، فإن وصل فهو لبخله. والله أعلم. [.....]

<<  <  ج: ص:  >  >>