للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله عزّ وجلّ: وَإِذَا الرُّسُلُ أُقِّتَتْ قرأ أبو عمرو «وُقِّتَتْ» بواو مع تشديد القاف. ووافقه أبو جعفر، إلا أنه خَفَّفَ القاف. وقرأ الباقون: «أُقِّتت» بألف مكان الواو مع تشديد القاف. قال الزجاج:

وُقِّتَتْ وأُقِّتَتْ بمعنى واحد. فمن قرأ «أُقِّتت» بالهمز، فإنه أبدل الهمزة من الواو لانضمام الواو. وكل واو انضمت، وكانت ضمّتها لازمة، جاز أن تبدل منها بهمزة. وقال الفراء: الواو إذا كانت أول حرف، وضُمَّتْ، همزت. تقول: صلى القوم أُحداناً. وهذه أُجوهٌ حسان. ومعنى «أُقِّتت» : جمعت لوقتها يوم القيامة. وقال ابن قتيبة: جمعت لوقت، وهو يوم القيامة. وقال الزجاج: جعل لها وقت واحد لفصل القضاء بين الأمّة.

قوله عزّ وجلّ: لِأَيِّ يَوْمٍ أُجِّلَتْ أي: أُخِّرَتْ. وضَرْبُ الأجل لجمعهم، يعجِّب العباد من هول ذلك اليوم. ثم بيّنه فقال عزّ وجلّ: لِيَوْمِ الْفَصْلِ وهو يوم يفصل الله تعالى فيه بين الخلائق. ثم عَظَّم ذلك اليوم بقوله: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الْفَصْلِ (١٤) وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بالبعث. ثم أخبر الله تعالى عما فعل بالأمم المكذِّبة، فقال: أَلَمْ نُهْلِكِ الْأَوَّلِينَ يعني بالعذاب في الدنيا حين كذَّبوا رسلهم ثُمَّ نُتْبِعُهُمُ الْآخِرِينَ والقراء على رفع العين في «نتبعُهم» ، وقد قرأ قوم منهم أبو حيوة بإسكان العين. قال الفراء:

«نتبعهم» مرفوعة. ويدل على ذلك قراءة ابن مسعود «وسنتبعهم الآخرين» . ولو جزمتَ على معنى: ألم نقدر على إهلاك الأولين وإتباعهم الآخرين كان وجهاً جيداً. وقال الزجاج: الجزم عطف على «نُهْلكْ» ، ويكون المعنى: لمن أُهلك أولاً وآخراً. والرفع على معنى: ثم نتبع الأول والآخر من كل مجرم. وقال مقاتل: ثم نتبعهم الآخرين: يعني: كفار مكّة كذّبوا بالنبيّ صلّى الله عليه وسلم، وقال ابن جرير: الأوَّلون: قوم نوح، وعاد، وثمود، والآخرون: قوم إبراهيم، ولوط، ومَدْيَن.

قوله عزّ وجلّ: كَذلِكَ أي: مثل ذلك نَفْعَلُ بِالْمُجْرِمِينَ يعني: المكذِّبين. فإن قيل: ما الفائدة في تكرار قوله عزّ وجلّ: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ؟ فالجواب: أنه أراد بكل آية منها غير ما أراد بالأخرى، لأنه كلما ذكر شيئاً قال: وَيْلٌ يَوْمَئِذٍ لِلْمُكَذِّبِينَ بهذا.

قوله عزّ وجلّ: أَلَمْ نَخْلُقْكُمْ قرأ قالون عن نافع بإظهار القاف. وقرأ الباقون بإدغامها.

قوله عزّ وجلّ: مِنْ ماءٍ مَهِينٍ أي: ضعيف فَجَعَلْناهُ فِي قَرارٍ مَكِينٍ يعني: الرحم إِلى قَدَرٍ مَعْلُومٍ وهو مدة الحمل فَقَدَرْنا قرأ أهل المدينة، والكسائي «فَقَدَّرْنَا» بالتشديد. وقرأ الباقون: بالتخفيف.

وهل بينهما فرق؟ فيه قولان:

أحدهما: أنهما لغتان بمعنى واحد. قال الفراء: تقول العرب: قَدَر عليه، وقَدَّر عليه. وقد احتج من قرأ بالتخفيف فقال: لو كانت مشدّدة لقال: فنعم القادرون، فأجاب الفراء فقال: قد تجمع العرب بين المعنيين، كقوله تعالى: فَمَهِّلِ الْكافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْداً «١» . قال الشاعر:

وَأَنْكَرَتْني وَمَا كانَ الَّذي نَكِرَتْ ... مِنَ الحَوَادِثِ إِلاَّ الشَّيْبَ والصَّلَعَا «٢»

يقول: ما أنكرت إلّا ما يكون في الناس.


(١) الطارق: ١٧.
(٢) البيت للأعشى الكبير ديوانه: ١٠١ من قصيدة يمدح بها هوذة بن علي الحنفي ملك اليمامة.

<<  <  ج: ص:  >  >>