للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وفي المراد «بالبرد» ثلاثة أقوال: أحدها: أنه برد الشراب. روى أبو صالح عن ابن عباس قال: لا يذوقون فيها برد الشراب، ولا الشراب. والثاني: أنه الرَّوْح والراحة، قاله الحسن، وعطاء. والثالث:

أنه النوم، قاله مجاهد، والسدي، وأبو عبيدة، وابن قتيبة، وأنشدوا:

فَإنْ شئتِ حرَّمتُ النِّساء سِواكُم ... وإِن شئتِ لَمُ أَطْعَمْ نُقَاخَاً وَلاَ بَرْدَاً «١»

قال ابن قتيبة: النقاخ: الماء، والبرد: النوم، سمي بذلك لأنه تبرد فيه حرارة العطش. وقال مقاتل: لا يذوقون فيها برداً ينفعهم من حرها، ولا شراباً ينفعهم من عطش إِلَّا حَمِيماً وَغَسَّاقاً قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «غَسَاقاً» بالتخفيف. وقرأ حمزة، والكسائي، والمفضل، وحفص عن عاصم بالتشديد وقد تقدّم «٢» ذكر الحميم، والغسّاق جَزاءً وِفاقاً قال الفراء: وِفْقاً لأعمالهم وقال غيره: جُوزوا جزاءً وفاقاً لأعمالهم على مقدارها، فلا ذنب أعظم من الشرك، ولا عذاب أعظم من النّار إِنَّهُمْ كانُوا لا يَرْجُونَ حِساباً فيه قولان: أحدهما: لا يخافون أن يحاسبوا، لأنهم لا يؤمنون بالبعث، قاله الجمهور. والثاني: لا يرجون ثواب حساب، لأنهم لا يؤمنون بالبعث، قاله الزّجّاج.

قوله عزّ وجلّ: وَكَذَّبُوا بِآياتِنا كِذَّاباً أي: بما جاء به الأنبياء قال الفراء: الكِذَّاب بالتشديد لغة يمانية فصيحة يقولون: كذَّبت به كِذَّاباً، وخرَّقت القميص خِرَّاقاً، وكل «فَعَّلْتُ» فمصدره في لغتهم مُشَدَّد. قال لي أعرابي منهم على المروة يستفتيني: الحَلْقُ أحب اليك، أم القِصَّار؟ وأنشدني بعض بني كلاب:

لَقَدْ طَالَ مَا ثَبَّطَتني عن صَحَابَتي ... وَعَنْ حوَجٍ قِضَّاؤها من شِفَائِيَا

وأما أهل نجد، فيقولون: كذَّبت به تكذيباً. وقال أبو عبيدة: الكِّذاب أشد من الكِذَاب، وهما مصدر المكاذبة. قال الأعشى:

فَصَدَقْتُها وكَذَبْتُها ... وَالمَرْءُ يَنْفَعُهُ كذابه

قوله عزّ وجلّ: وَكُلَّ شَيْءٍ أَحْصَيْناهُ قال الزجاج: «كلَّ» منصوب بفعل مضمر تفسيره:

أحصيناه، والمعنى: وأحصينا كلّ شيء، وكِتاباً توكيد ل «أحصيناه» ، لأن معنى «أحصيناه» و «كتبناه» فيما يحصل ويثبت واحد. فالمعنى: كتبناه كتاباً. قال المفسرون: وكلّ شيء من الأعمال أثبتناه في اللوح المحفوظ فَذُوقُوا أي: فيقال لهم: ذوقوا جزاء فعالكم فَلَنْ نَزِيدَكُمْ إِلَّا عَذاباً (٣٠) إِنَّ لِلْمُتَّقِينَ الذين لم يشركوا مَفازاً وفيه قولان: أحدهما: متنزَّهاً، قاله ابن عباس، والضحاك. والثاني:

فازوا بأن نَجَوْا من النار بالجنة، ومن العذاب بالرحمة، قاله قتادة. قال ابن قتيبة: «مفازا» في موضع «فوز» قوله: حَدائِقَ قال ابن قتيبة: الحدائق: بساتين نخل، واحدها: حديقة.

قوله عزّ وجلّ: وَكَواعِبَ قال ابن عباس: الكواعب: النواهد. قال ابن فارس: يقال: كعبت المرأة كعابة، فهي كاعب: إذا نَتَأَ ثَدْيُها. وقد ذكرنا معنى «الأتراب» في ص «٣» .

قوله عزّ وجلّ: وَكَأْساً دِهاقاً فيه ثلاثة أقوال: أحدها: أنها الملأى، رواه أبو صالح عن ابن


(١) البيت لعبد الله بن عمر بن عمرو بن عثمان بن عفان العرجي، وهو في دواوينه ١٠٩ و «شواهد الكشاف» ٣٤.
(٢) ص: ٥٧.
(٣) ص: ٥٢.

<<  <  ج: ص:  >  >>