للفضيل بن عياض: لو أقامك الله سبحانه يوم القيامة، وقال: ما غرَّك بربك الكريم، ماذا كنت تقول؟
قال: أقول: غرني سُتورك المرخاة. وقال يحيى بن معاذ: لو قال لي: ما غرك بي؟ قلت: بِرُّك سالفاً وآنفا. وقيل: لما ذكر الصفة التي هي الكرم هاهنا دون سائر صفاته، كان كأنه لقَّن عبده الجواب، ليقول: غرّني كرم الكريم.
قوله عزّ وجلّ: الَّذِي خَلَقَكَ ولم تك شيئاً فَسَوَّاكَ إنساناً تسمع وتبصر فَعَدَلَكَ قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وابن عامر «فعدَّلك» بالتشديد. وقرأ عاصم، وحمزة، والكسائي «فَعَدَلك» بالتخفيف. قال الفراء: من قرأ بالتخفيف. فوجهه- والله أعلم-: فصوَّرك إلى أيّ صورة ما شاء، إما حَسَن، وإما قبيح، وإما طويل، وإما قصير. وقيل: في صورة أب، في صورة عم، في صورة بعض القرابات تشبيها. ومن قرأ بالتشديد، فإنه أراد- والله أعلم-: جعلك معتدلا، معدّل الخلق. وقال غيره: عدَّل أعضاءك فلم تفضل يد على يد، ولا رِجل على رجل، وعدل بك أن يجعلك حيوانا بهيما.
قوله عزّ وجلّ: فِي أَيِّ صُورَةٍ ما شاءَ رَكَّبَكَ قال الزجاج: يجوز أن تكون «ما» زائدة. ويجوز أن تكون بمعنى الشرط والجزاء، فيكون المعنى: في أي صورة ما شاء أن يركِّبك فيها ركبك. وفي معنى الآية أربعة أقوال: أحدها: في أي صورة من صور القرابات ركَّبك، وهو معنى قول مجاهد. والثاني:
في أيّ صورة، من حسن، أو قبيح أو طويل، أو قصير، أو ذَكَر، أو أنثى، وهو معنى قول الفراء.
والثالث: إن شاء أن يركِّبك في غير صورة الإنسان ركبك، قاله مقاتل. وقال عكرمة: إن شاء في صورة قرد، وإن شاء في صورة خنزير. والرابع: إن شاء في صورة إنسان بأفعال الخير. وإن شاء في صورة حمار بالبلادة والبله، وإن شاء في صورة كلب بالبخل، أو خنزير بالشرّ، ذكره الثّعلبيّ.
قوله عزّ وجلّ: بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ وقرأ أبو جعفر بل يكذبون «بالياء» أي: بالجزاء والحساب، فيزعمون أنه غير كائن. ثم أعلمهم أن أعمالهم محفوظة، فقال تعالى: وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحافِظِينَ أي: من الملائكة يحفظون عليكم أعمالكم كِراماً على ربِّهم كاتِبِينَ يكتبون أعمالكم يَعْلَمُونَ ما تَفْعَلُونَ من خير وشر، فيكتبونه عليكم.
قوله تعالى: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ وذلك في الآخرة إذا دخلوا الجنة وَإِنَّ الْفُجَّارَ وفيهم قولان:
أحدهما: أنهم المشركون. والثاني: الظَّلَمة. ونقل عن سليمان بن عبد الملك أنه قال لأبي حازم: يا ليت شعري ما لنا عند الله؟ فقال له: اعرض عملك على كتاب الله، فإنك تعلم ما لك عنده، فقال:
وأين أجده؟ قال: عند قوله عزّ وجلّ: إِنَّ الْأَبْرارَ لَفِي نَعِيمٍ (١٣) وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ قال سليمان: فأين رحمة الله؟ قال: قريب من المحسنين.
قوله عزّ وجلّ: يَصْلَوْنَها يعني: يدخلون الجحيم مقاسين حرَّها يَوْمَ الدِّينِ أي: يوم الجزاء على الأعمال وَما هُمْ عَنْها أي: الجحيم بِغائِبِينَ وهذا يدل على تخليد الكفار. وأجاز بعض العلماء أن تكون «عنها» كناية عن يوم القيامة، فتكون فائدة الكلام تحقيق البعث. ويشتمل هذا على الأبرار والفجار. ثم عظَّم ذلك اليوم ب قوله عزّ وجلّ: وَما أَدْراكَ ما يَوْمُ الدِّينِ ثم كرَّر ذلك تفخيماً لشأنه، وكان ابن السائب يقول: الخطاب بهذا للإنسان الكافر، لا لرسول الله صلّى الله عليه وسلم.