للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تعالى: إِلَّا أَنْ يَصَّدَّقُوا قال سعيد بن جبير: إِلا أن يتصدّق أولياء المقتول بالدية على القاتل.

قوله تعالى: فَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ عَدُوٍّ لَكُمْ وَهُوَ مُؤْمِنٌ فيه قولان: أحدهما: أن معناه: وإِن كان المقتول خطأ من قوم كفار، ففيه تحرير رقبة من غير دية، لأن أهل ميراثه كفار. والثاني: وإِن كان مقيماً بين قومه، فقتله من لا يعلم بإيمانه، فعليه تحرير رقبة ولا دية، لأنه ضيّع نفسه بإقامته مع الكفار، والقولان مرويّان عن ابن عباس، وبالأول قال النخعي، وبالثاني سعيد بن جبير. وعلى الأول تكون «مِن» للتبعيض، وعلى الثاني تكون بمعنى في.

قوله تعالى: وَإِنْ كانَ مِنْ قَوْمٍ بَيْنَكُمْ وَبَيْنَهُمْ مِيثاقٌ فيه قولان: أحدهما: أنه الرجل من أهل الذّمة يُقتل خطأ، فيجب على قاتله الدية، والكفارة، هذا قول ابن عباس، والشّعبيّ، وقتادة، والزّهريّ. ولأبي حنيفة، والشافعي، ولأصحابنا تفصيل في مقدار ما يجب من الدية «١» . والثاني: أنه المؤمن يقتل، وقومه مشركون، ولهم عقد، فديته لقومه، وميراثه للمسلمين، هذا قول النخعي.

قوله تعالى: فَمَنْ لَمْ يَجِدْ فَصِيامُ شَهْرَيْنِ مُتَتابِعَيْنِ اختلفوا هل هذا الصيام بدل من الرقبة وحدها إِذا عدِمها، أو بدل من الرقبة والدية؟ فقال الجمهور: عن الرقبة وحدها، وقال مسروق، ومجاهد، وابن سيرين: عنهما. واتفق العلماء على أنه إِذا تخلّل صوم الشهرين إِفطار لغير عذر، فعليه الابتداء، فأما إِذا تخللها المرض، أو الحيض، فعندنا لا ينقطع التتابع. وبه قال مالك. وقال أبو حنيفة:

المرض يقطع! والحيض لا يقطع، وفرق بينهما بأنه يمكن في العادة صوم شهرين بلا مرض، ولا يمكن ذلك في الحيض، وعندنا أنها معذورة في الموضعين «٢» .


(١) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ١٢/ ٥١- ٥٤: ودية الحر الكتابي نصف دية الحر المسلم، ونساؤهم، على النصف من دياتهم. هذا ظاهر المذهب، وهو مذهب عمر بن عبد العزيز ومالك. وعن أحمد، أنها ثلث دية المسلم. إلا أنه رجع عنها، فإن صالحا روى عنه أنه قال: كنت أقول: إن دية اليهودي والنصراني أربعة آلاف، وأنا اليوم أذهب إلى نصف دية المسلم، وهذا صريح في الرجوع عنه.
(٢) قال الإمام الموفق رحمه الله في «المغني» ١١/ ٨٨- ٩٠: فإن أفطر فيهما من عذر بنى، وإن أفطر من غير عذر ابتدأ. أجمع أهل العلم على وجوب التتابع في الصيام في الكفّارة، وأجمعوا على أن من صام بعض الشهر، ثم قطعه لغير عذر، وأفطر، أن عليه استئناف الشهرين، وإنما كان ذلك لورود لفظ الكتاب والسنة به، ومعنى التتابع الموالاة بين صيام أيامها، فلا يفطر فيهما. ولم يفتقر التتابع إلى نية كالمتابعة بين الركعات، وأجمع أهل العلم على أن الصائمة متتابعا، إذا حاضت قبل إتمامه، تقضي إذا طهرت، وتبني، وذلك لأن الحيض لا يمكن التحرز منه في الشهرين إلا بتأخيره إلى الإياس، وفيه تغرير بالصوم، والنفاس كالحيض، في أنه لا يقطع التتابع، في أحد الوجهين، لأنه بمنزلة في أحكامه، ولأن الفطر لا يحصل فيهما بفعلهما، والوجه الثاني: أن النفاس يقطع التتابع، لأنه فطر أمكن التحرز منه، لا يتكرر كل عام، ولا يصح قياسه على الحيض، لأنه أندر منه، ويمكن التحرز عنه. وإن أفطر لمرض مخوّف، لم ينقطع التتابع أيضا. وبه قال مالك، والشافعي في القديم وقال في الجديد: ينقطع التتابع، لأنه أفطر اختيارا، فانقطع التتابع. وإن أفطر في أثناء الشهرين لغير عذر، أو قطع التتابع بصوم نذر، أو قضاء، أو تطوّع لزمه استئناف الشهرين، لأنه أخلّ بالتتابع المشترط، ويقع صومه عمّا نواه.

<<  <  ج: ص:  >  >>