قوله تعالى: قالَ عَذابِي أُصِيبُ بِهِ مَنْ أَشاءُ. وقرأ الحسن البصري، والأعمش، وأبو العالية:
«من أساء» بسين غير معجمة مع النصب.
قوله تعالى: وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ في هذا الكلام أربعة اقوال: أحدها: أن مخرجه عام ومعناه خاص، وتأويله: ورحمتي وسعت المؤمنين من أمّة محمّد صلّى الله عليه وسلم، لقوله تعالى: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ، قاله ابن عباس. والثاني: أن هذه الرحمة على العموم في الدنيا، والخصوص في الآخرة وتأويلها: ورحمتي وسعت كل شيء في الدنيا، البرَّ والفاجر، وفي الآخرة هي للمتقين خاصة، قاله الحسن، وقتادة. فعلى هذا، معنى الرحمة في الدنيا للكافر أنه يُرزق ويُدفع عنه، كقوله في حقّ قارون:
وَأَحْسِنْ كَما أَحْسَنَ اللَّهُ إِلَيْكَ «١» . والثالث: أن الرحمة: التوبة، فهي على العموم، قاله ابن زيد.
والرابع: أن الرحمة تَسَع كل الخلق إلا أن أهل الكفر خارجون منها، فلو قدِّر دخولهم فيها لوسعتهم، قاله ابن الانباري. قال الزجاج: وسعت كل شيء في الدنيا. فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ في الآخرة. قال المفسرون: معنى «فسأكتبها» : فسأوجبها. وفي الذين يتقون قولان: أحدهما: أنهم المتقون للشرك، قاله ابن عباس. والثاني: للمعاصي، قاله قتادة. وفي قوله تعالى. وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ قولان:
أحدهما: أنها زكاة الأموال، قاله الجمهور. والثاني: أن المراد بها طاعة الله ورسوله، قاله ابن عباس والحسن، ذهبا إلى أنها العمل بما يزكِّي النفس ويطهِّرها.
وقال ابن عباس، وقتادة: لما نزلت وَرَحْمَتِي وَسِعَتْ كُلَّ شَيْءٍ قال إبليس: أنا من ذلك الشيء، فنزعها الله من إبليس، فقال: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ وَالَّذِينَ هُمْ بِآياتِنا يُؤْمِنُونَ، فقالت اليهود والنّصارى: نحن نتَّقي، ونؤتي الزكاة، ونؤمن بآيات ربنا، فنزعها الله منهم، وجعلها لهذه الأمة، فقال: الَّذِينَ يَتَّبِعُونَ الرَّسُولَ النَّبِيَّ الْأُمِّيَّ. وقال نَوفٌ: قال الله تعالى لموسى:
أجعل لكم الأرض طهوراً ومسجداً، وأجعل السكينة معكم في بيوتكم، وأجعلكم تقرؤون التوراة عن ظهور قلوبكم، يقرؤها الرجل منكم والمرأة والحر والعبد والصغير والكبير. فأخبر موسى قومه بذلك، فقالوا: لا نريد أن نصلّي إلّا في الكنائس ولا أن تكون السكينة إلا في التابوت، ولا أن نقرأ التوراة إلا نظراً، فقال الله تعالى: فَسَأَكْتُبُها لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ إلى قوله: الْمُفْلِحُونَ. وفي هؤلاء المذكورين في قوله: لِلَّذِينَ يَتَّقُونَ وَيُؤْتُونَ الزَّكاةَ إلى قوله: الْمُفْلِحُونَ قولان: أحدهما: أنهم كلّ من آمن بمحمّد صلّى الله عليه وسلم، وتبعه، قاله ابن عباس. والثاني: أنه محمد صلّى الله عليه وسلم، قاله السدي، وقتادة. وفي تسميته بالأمي قولان: أحدهما: لأنه لا يكتب. والثاني: لأنه من أُمَّ القرى.
قوله تعالى: الَّذِي يَجِدُونَهُ مَكْتُوباً عِنْدَهُمْ أي: يجدون نعته ونبوَّته.
قوله تعالى: يَأْمُرُهُمْ بِالْمَعْرُوفِ قال الزجاج: يجوز أن يكون مستأنَفاً، ويجوز أن يكون «يجدونه مكتوباً عندهم» أنه يأمرهم بالمعروف. قال ابن عباس: المعروف: مكارم الأخلاق، وصلة الارحام. والمنكر: عبادة الأوثان، وقطع الأرحام. وقال مقاتل: المعروف: الإيمان، والمنكر:
الشّرك. وقال غيره: المعروف: الحق، لأن العقول تعرف صحته، والمنكر: الباطل، لأن العقول تنكر صحته. وفي الطيبات أربعة أقوال: أحدها: أنها الحلال، والمعنى: يُحل لهم الحلال. والثاني: أنها ما
(١) سورة القصص: ٧٧.