(٦٩١) وقوله صلى الله عليه وسلم: «ولا تَجْزِي عن أحدٍ بعدَك» .
وفي قوله تعالى: عَنْ يَدٍ ستة أقوال: أحدها: عن قهر، قاله قتادة، والسدي. وقال الزجاج:
عن قهر وذُلٍّ. والثاني: أنه النقد العاجل، قاله شريك، وعثمان بن مقسم. والثالث: أنه إعطاء المبتدئ بالعطاء، لا إعطاء المكافئ، قاله ابن قتيبة. والرابع: أن المعنى: عن اعتراف للمسلمين بأن أيديهم فوق أيديهم. والخامس: عن إنعام عليهم بذلك لأن قبول الجزية منهم إنعام عليهم، حكاهما الزجاج.
والسادس: يؤدُّونَها بأيديهم، ولا ينفذونها مع رسلهم، ذكره الماوردي.
قوله تعالى: وَهُمْ صاغِرُونَ الصاغر: الذليل الحقير. وفي ما يُكَلَّفونه من الفعل الذي يوجب صغارهم خمسة أقوال: أحدها: أن يمشوا بها ملبّيين، رواه أبو صالح عن ابن عباس. والثاني: أن لا يُحمدوا على إعطائهم، قاله سلمان الفارسي. والثالث: أن يكونوا قياماً والآخذ جالساً، قاله عكرمة.
والرابع: أن دفع الجزية هو الصغار. والخامس: أن إجراء أحكام الإسلام عليهم هو الصغار.
(فصل:) واختُلف في الذين تؤخذ منهم الجزية من الكفار، فالمشهور عن أحمد: أنها لا تقبل إلا من اليهود والنصارى والمجوس، وبه قال الشافعي. ونقل الحسن بن ثواب عن أحمد: أنه من سُبي من أهل الأديان من العرب والعجم، فالعرب إن أسلموا، وإلا السيف، وأولئك إن أسلموا، وإلا الجزية فظاهر هذا أن الجزية تؤخذ من الكل، إلا من عابدي الأوثان من العرب فقط، وهو قول أبي حنيفة، ومالك «١» .
(فصل:) فأما صفة الذين تؤخذ منهم الجزية، فهم أهل القتال. فأما الزَّمِنُ، والأعمى، والمفلوج، والشيخ الفاني، والنساء، والصبيان، والراهب الذي لا يخالط الناس، فلا تؤخذ منهم.
(فصل:) فأما مقدارها، فقال أصحابنا: على الموسر: ثمانية وأربعون درهماً، وعلى المتوسط:
أربعة وعشرون، وعلى الفقير المعتمل: اثنا عشر، وهو قول أبي حنيفة. وقال مالك: على أهل الذهب أربعة دنانير، وعلى أهل الوَرِق أربعون درهماً، وسواء في ذلك الغني والفقير. وقال الشافعي:
على الغني والفقير دينار. وهل تجوز الزيادة والنقصان مما يؤخذ منهم؟ نقل الأثرم عن أحمد: أنها تزاد وتنقَص على قدر طاقتهم، فظاهر هذا: أنها على اجتهاد الإمام ورأيه. ونقل يعقوب بن بختان: أنه
صحيح. أخرجه البخاري ٩٧٦ ومسلم ١٩٦١ والطبراني في «الأوسط» ٣٠٣٦. كلهم من حديث البراء رضي الله عنه قال: قال النبيّ صلى الله عليه وسلم: «إن أول ما نبدأ به في يومنا هذا نصلي، ثم نرجع فننحر، من فعله فقد أصاب سنتنا، ومن ذبح قبل فإنما هو لحم قدمه لأهله ليس من النسك في شيء» . فقام أبو بردة بن نيار وقد ذبح فقال: إن عندي جذعة فقال: «اذبحها ولن تجزي عن أحد بعدك» . لفظ البخاري.