١- سباق الآيات وسياقها، يدل على أن المراد بالآية المنافقون، لأن الآيات المتقدمة جميعا تدل على أن الخطاب للمنافقين أصلا، وهذا الحديث فيه أن ثعلبة كان مؤمنا ثم نافق بل ارتد. ٢- الآية الآتية فيها الَّذِينَ يَلْمِزُونَ الْمُطَّوِّعِينَ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ فِي الصَّدَقاتِ ... فكيف يلمز ثعلبة المطّوعين ويهزأ بهم مع أنه منقطع وحيدا في أعالي الجبال وبطون الوديان؟!! ٣- هذه الآية تذكر فَأَعْقَبَهُمْ نِفاقاً فِي قُلُوبِهِمْ إِلى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ والحديث يذكر أنه تاب وآمن وأناب، لكن لم يقبل منه. ٤- الحديث يذكر عدم قبول صدقات المنافقين. وهذا كان أوّلا، يدل عليه قوله تعالى وَما مَنَعَهُمْ أَنْ تُقْبَلَ مِنْهُمْ نَفَقاتُهُمْ إِلَّا أَنَّهُمْ كَفَرُوا بِاللَّهِ وَبِرَسُولِهِ [التوبة: ٥٤] ، لكن هذا نسخ في حق من تاب منهم بقوله تعالى: خُذْ مِنْ أَمْوالِهِمْ صَدَقَةً تُطَهِّرُهُمْ وَتُزَكِّيهِمْ بِها وَصَلِّ عَلَيْهِمْ إِنَّ صَلاتَكَ سَكَنٌ لَهُمْ [التوبة: ١٠٣] . فهذه الآية، تأمر النبي صلى الله عليه وسلم بأن يقبل الصدقات ممن تاب من المنافقين. ومعلوم أن الآية لا تخصص في حق رجل أو أكثر إلا بخبر مشهور أو صحيح يرويه الشيخان أو أحدهما بإسناد كالشمس: فأين هذا الحديث من ذلك. ٥- التوبة لا تحجب عن أحد سوى إبليس- والأحاديث في ذلك كثيرة «إن الله يقبل توبة العبد ما لم يغرغر» وتقدم تخريجه. وهو حديث قوي. وحديث «إن الله يبسط يده بالليل ليتوب مسيء الليل حتى تطلع الشمس من مغربها» وهذا متفق عليه، وفي الباب أحاديث تبلغ حد التواتر. والآيات متظاهرة على قبول توبة التائب، فهل لهذا الخبر الواهي من مقام هاهنا. ٦- قد تواتر محاربة أبي بكر لمانعي الزكاة، وقال «لأقاتلن من يفرق بين الصلاة والزكاة» فكيف بمن جاء يؤدي الزكاة تائبا من ذنبه، ومن تلقاء نفسه، فهل يرد!!، مع أخذهم الزكاة من غيره بالقوة. ٧- لو كان وقع مثل هذا الخبر، لجاء متواترا لغرابته، ولما فيه من ترهيب، ولكونه بقي في الجبال والوديان وحيدا منبوذا في عهود متطاولة، فلكان ذلك على ألسنة الصحابة والتابعين تحذيرا لمن يفعل فعله، وكل ذلك لم يكن. ٨- هو مردود بآيات كثيرة تقبل التوبة ومن ذلك قوله تعالى قُلْ يا عِبادِيَ الَّذِينَ أَسْرَفُوا عَلى أَنْفُسِهِمْ لا تَقْنَطُوا مِنْ رَحْمَةِ اللَّهِ إِنَّ اللَّهَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ جَمِيعاً وإِنَّهُ لا يَيْأَسُ مِنْ رَوْحِ اللَّهِ إِلَّا الْقَوْمُ الْكافِرُونَ. الخلاصة: هو حديث باطل لا أصل له. فالإسناد ساقط كما تقدم، والمتن منكر عجيب، وهو مردود بآيات كثيرة من القرآن الكريم، وبأحاديث كثيرة، سواء بقبول التوبة، أو بوجوب أخذ الزكاة، ونحو ذلك والله تعالى أعلم، فلا يفرح بروايات كهذه إلا اثنان، إما رجل لا يبالي برواية الحديث الموضوع وقد تواتر «من كذب عليّ متعمدا فليتبوأ مقعده من النار» وإما جاهل لا يعرف من هذا الدين إلا اسمه، ولا من العلم إلا رسمه. وانظر «تفسير ابن كثير» عند هذه الآية، و «تفسير القرطبي» ٣٤٣٢ و «تفسير الشوكاني» ١٦٢٤ «وأحكام القرآن» ١١٦٩ وهي جميعا بتخريجي ولله الحمد والمنة.