للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

معرَّب لا تعرف له العرب اسماً غير هذا، فلذلك جاء في التنزيل، لأنهم خوطبوا بما عرفوا. وروي عن ابن عباس أنه قال: التنور، بكل لسان عربي وعجمي.

وفي المراد بهذا التنور ستة أقوال: أحدها: أنه اسم لوجه الأرض، رواه عكرمة عن علي عليه السلام. وروى الضحاك عن ابن عباس: التنور: وجه الأرض، قال: قيل له: إِذا رأيت الماءَ قد علا وجهَ الأرض، فاركب أنت وأصحابك، وهذا قول عكرمة، والزهري. والثاني: أنه تنوير الصبح، رواه أبو جحيفة عن عليّ رضي الله عنه. وقال ابن قتيبه: التنوير عند الصلاة. والثالث: أنه طلوع الفجر، روي عن علي أيضا، قال: «وفار التنور» : طلع الفجر. والرابع: أنه طلوع الشمس، وهو منقول عن علي أيضا. والخامس: أنه تنُّور أهله، روى العوفي عن ابن عباس قال: إِذا رأيت تنُّور أهلك يخرج منه الماء، فانه هلاك قومك. وروى أبو صالح عن ابن عباس: أنه تنُّور آدم عليه السلام، وهبه الله لنوح، وقيل له: إذا فار الماء منه، فاحمل ما أمرت به. وقال الحسن: كان تنوراً من حجارة، وهذا قول مجاهد، والفراء، ومقاتل. والسادس: أنه أعلى الأرض وأشرفها «١» . قال ابن الأنباري: شُبهت أعالي الأرض وأماكنها المرتفعة لعلوها، بالتنانير.

واختلفوا في المكان الذي فار منه التنور على ثلاثة أقوال «٢» : أحدها: أنه فار من مسجد الكوفة، رواه حبّة العرني عن علي عليه السلام. وقال زِرُّ بن حُبَيش: فار التنور من زاوية مسجد الكوفة اليمنى.

وقال مجاهد: نبع الماء من التنور، فعلمت به امرأته فأخبرته، وكان ذلك بناحية الكوفة. وكان الشعبي يحلف بالله ما كان التنور إِلا بناحية الكوفة. والثاني: أنه فار بالهند، رواه عكرمة عن ابن عباس.

والثالث: أنه كان في أقصى دار نوح، وكانت بالشام في مكان يقال له: عين وردة، قاله مقاتل.

قوله تعالى: قُلْنَا احْمِلْ فِيها أي: في السفينة مِنْ كُلٍّ زَوْجَيْنِ اثْنَيْنِ. وروى حفص عن عاصم: «من كُلٍّ» بالتنوين. قال أبو علي: والمعنى: من كل شيء، ومن كل زوج زوجين، فحذف المضاف. وانتصاب «اثنين» على أنهما صفة لزوجين، وقد علم أن الزوجين اثنان، ولكنه توكيد. قال مجاهد: من كل صنف، ذكراً وأنثى. وقال ابن قتيبة: الزوج يكون واحداً، ويكون اثنين، وهو ها هنا واحد، ومعنى الآية: احمل من كل ذكر وأنثى اثنين. وقال الزجاج: المعنى: احمل زوجين اثنين من كل شىء، والزوج في كلام العرب يجوز أن يكون معه واحد، والاثنان يقال لهما: زوجان، يقال:

عندي زوجان من الطير، إِنما يريد ذكراً وأنثى فقط، وقال ابن الأنباري: إِنما قال «اثنين» فثنَّى الزوج، لأنه قصد قصْد الذكر والأنثى من الحيوان، وتقديره: من كل ذكر وأنثى. قوله تعالى: وَأَهْلَكَ أي:

وأحمل أهلك. قال المفسرون: أراد بأهله: عياله وولده. إِلَّا مَنْ سَبَقَ عَلَيْهِ الْقَوْلُ أي: سبق عليه القول من الله بالإِهلاك. قال الضحاك: وهم امرأته وابنه كنعان.


(١) قال الإمام الطبري رحمه الله في «تفسيره» ٧/ ٤٠- ٤١: وأولى هذه الأقوال عندنا بتأويل قوله التَّنُّورُ قول من قال: هو التنور الذي يخبز فيه. لأن ذلك هو المعروف من كلام العرب وكلام الله لا يوجه إلا إلى الأغلب، الأشهر من معانيه عند العرب، إلا أن تقوم الحجة على شيء منه بخلاف ذلك، فيسلم لها. وذلك أنه جل ثناؤه إنما خاطبهم بما خاطبهم به لإفهامهم معنى ما خاطبهم به.
(٢) قال ابن كثير رحمه الله في «تفسيره» ٢/ ٥٤٨: وهذه أقوال غريبة. قلت: ليس لها مستند، فهي لا شيء.

<<  <  ج: ص:  >  >>