للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قوله تعالى: وَإِنَّا لَنَراكَ فِينا ضَعِيفاً فيه أربعة أقوال: أحدها: ضريراً قال ابن عباس وابن جبير وقتادة: كان أعمى. قال الزجاج: ويقال إِن حِمير تسمي المكفوف ضعيفاً. والثاني: ذليلاً، قاله الحسن وأبو روق ومقاتل. وزعم أبو رَوْق أن الله لم يبعث نبياً أعمى ولا نبياً به زمانة. والثالث: ضعيف البصر، قاله سفيان. والرابع: عاجزاً عن التصرف في المكاسب، ذكره ابن الأنباري. قوله تعالى:

وَلَوْلا رَهْطُكَ لَرَجَمْناكَ قال الزجاج: لولا عشيرتك لقتلناك بالرّجم، والرّجم من سيّئ القتلات، وكان رهطه من أهل ملَّتهم، فلذلك أظهروا الميل إِليهم والإِكرام لهم. وذكر بعضهم أنّ الرّجم ها هنا بمعنى الشتم والأذى. قوله تعالى: وَما أَنْتَ عَلَيْنا بِعَزِيزٍ فيه قولان: أحدهما: بكريم. والثاني: بممتنع أن نقتلك.

قوله تعالى: أَرَهْطِي أَعَزُّ عَلَيْكُمْ مِنَ اللَّهِ وأسكن ياء «رهطي» أهل الكوفة، ويعقوب، والمعنى: أتراعون رهطي فيَّ، ولا تراعون الله فيَّ؟

قوله تعالى: وَاتَّخَذْتُمُوهُ وَراءَكُمْ في هاء الكناية قولان: أحدهما: أنها ترجع إِلى الله تعالى، قاله الجمهور. قال الفراء: المعنى: رميتم بأمر الله وراء ظهوركم. قال الزجاج: والعرب تقول لكل من لا يعبأ بأمر: قد جعل فلان هذا الأمر بظهر، قال الشاعر «١» :

تميمَ بنَ قيس لا تكوننَّ حَاجَتي ... بظَهْرٍ فلا يَعْيَا عليَّ جَوَابُها

والثاني: أنها كناية عما جاء به شعيب، قاله مجاهد.

قوله تعالى: إِنَّ رَبِّي بِما تَعْمَلُونَ مُحِيطٌ أي: عالم بأعمالكم، فهو يجازيكم بها. وما بعد هذا قد سبق تفسيره «٢» إِلى قوله تعالى: سَوْفَ تَعْلَمُونَ. فإن قال قائل: كيف قال ها هنا: «سوف» وفي أخرى: «فسوف» «٣» ؟ فالجواب: أن كلا الأمرين حسن عند العرب، إِن أدخلوا الفاء، دلُّوا على اتصال ما بعد الكلام بما قبله، وإِن أسقطوها، بَنَوْا الكلام الأول على أنه قد تم، وما بعده مستأنف، كقوله تعالى: إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تَذْبَحُوا بَقَرَةً قالُوا أَتَتَّخِذُنا هُزُواً «٤» والمعنى: فقالوا: أتتخذنا، بالفاء، فحذفت الفاء لتمام ما قبلها. قال امرؤ القيس:

فقالتْ يَمينَ الله ما لك حِيلةٌ ... وَمَا إِنْ أرَى عَنْكَ الغَوَاية تَنْجلي

خَرَجْتُ بِها أمْشي تَجُرّ وَرَاءَنا ... عَلى إِثرِنَا أذْيَالَ مِرطٍ مُرحَّلِ «٥»

قال ابن الأنباري: أراد: فخرجتُ، فأسقط الفاء لتمام ما قبلها. ويروى: فقمت بها أمشي.

قوله تعالى: وَارْتَقِبُوا إِنِّي مَعَكُمْ رَقِيبٌ قال ابن عباس: ارتقبوا العذاب، فإني أرتقب الثواب. قوله تعالى: وَأَخَذَتِ الَّذِينَ ظَلَمُوا الصَّيْحَةُ. قال المفسرون: صاح بهم جبريل فماتوا في أمكنتهم. قال محمد بن كعب: عُذّب أهل مدين بثلاثة أصناف من العذاب، أخذتهم رجفة في ديارهم حتى خافوا أن تسقط عليهم، فخرجوا منها فأصابهم حرٌّ شديد، فبعث الله الظُلَّةَ، فتنادَوا: هلم إِلى الظل فدخلوا جميعاً في الظُلَّة، فصيح بهم صيحة واحدة فماتوا كلهم. قال ابن عباس: لم تعذّب أمّتان


(١) ذكره ابن منظور في «اللسان» مادة «ظهر» وعزاه إلى الفرزدق.
(٢) سورة الأنعام: ١٣٥.
(٣) سورة الأنعام: ١٣٥.
(٤) سورة البقرة: ٦٧.
(٥) المرحّل: ضرب من برود اليمن، سمي مرحّلا لأن عليه تصاوير رحل. ومرط مرحّل: إذا وخز فيه علم.

<<  <  ج: ص:  >  >>