ويكون «ادّكر» فهو شيء لا نعرفه إلّا في «ادّخر» ، والأصل «ذخر» .
وقوله تعالى: بَعْدَ أُمَّةٍ، أي: بعد مدّة طويلة، وكما تكون الأمّة قوما وتكون زمنا، ومثله القرن والجيل، وغير ذلك.
٢١- وقال تعالى: ثُمَّ يَأْتِي مِنْ بَعْدِ ذلِكَ عامٌ فِيهِ يُغاثُ النَّاسُ وَفِيهِ يَعْصِرُونَ (٤٩) .
قوله تعالى: يُغاثُ النَّاسُ من الغوث أو من الغيث، يقال غيثت البلاد إذا مطرت. هذا هو قول الزمخشري.
ولنبسط القول في هذه الكلمة المفيدة.
يقال: غاث الغيث الأرض:
أصابها، ويقال: غاثهم الله، وأصابهم غيث، وغاث الله البلاد يغيثها غيثا إذا أنزل بها الغيث.
ومنه الحديث: فادع الله يغيثنا (بفتح الياء) .
وغيثت الأرض، تغاث غيثا، فهي مغيثة ومغيوثة: أصابها الغيث. وغيث القوم: أصابهم الغيث.
قال الأصمعي: أخبرني أبو عمرو بن العلاء، قال: سمعت ذا الرّمة يقول:
قاتل الله أمة بني فلان، ما أفصحها! قلت لها: كيف كان المطر عندكم؟
فقالت: غثنا ما شئنا.
أقول: هذا هو معنى الغيث، وهو المطر يراد به الرحمة والخير والحياة، ومن هنا صارت العربية إلى الغوث ومنه الإغاثة، والغوث بمعنى النجدة والمعونة والمساعدة. وكأنّ التحوّل من الياء إلى الواو، وسيلة، لاستحداث معنى جديد، بينه وبين الأصل القديم وشيجة رحم. ألا ترى أن من هذا بين وبون، وعين وعون، وغير هذا.
أمّا قوله تعالى: يَعْصِرُونَ، فقد ذكر الزمخشري، أنهم يعصرون العنب والزيتون والسّمسم.
أقول: ومن قرأ «يعصرون» بالبناء إلى المفعول كانت قراءته وجيهة، وهو من عصره إذا أنجاه، وهو مطابق للإغاثة. ويجوز أن يكون المبني للفاعل بمعنى ينجون، كأنّه قيل: يغاث الناس وفيه يغيثون أنفسهم، أي:
يغيثهم الله، ويغيث بعضهم بعضا.
وقيل: «يعصرون» يمطرون، من