للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «يونس» «١»

قوله سبحانه: وَبَشِّرِ الَّذِينَ آمَنُوا أَنَّ لَهُمْ قَدَمَ صِدْقٍ عِنْدَ رَبِّهِمْ [الآية ٢] وهذه استعارة. لأن المراد بالقدم هاهنا:

السابقة في الإيمان، والتقدّم في الإخلاص. والعبارة عن ذلك بلفظ القدم غاية في البلاغة، لأن بالقدم يكون السبق والتقدم. فسمّيت قدما لذلك. وإن كان التأخّر أيضا يكون بها، كما يكون التقدّم بخطوها، فإنّما سمّيت بأشرف حالاتها وأنبه متصرّفاتها. وقال بعضهم: إيمانهم في الدنيا هو قدمهم في الآخرة. لأن معنى القدم في العربية: الشيء تقدّمه أمامك ليكون عدّة لك، حتى تقدم عليه. وقال بعضهم: ذكر القدم هاهنا على طريق التمثيل والتشبيه، كما تقول العرب: قد وضع فلان رجله في الباطل، وتخطّى الى غير الواجب.

ومعناه أنه انتقل الى فعل ذلك، كما يتنقّل الماشي، وإن لم يحرّك قدمه، ولم ينقل خطاه.

وقوله سبحانه: ثُمَّ اسْتَوى عَلَى الْعَرْشِ [الآية ٣] وهذه استعارة. لأن حقيقة الاستواء إنّما توصف بها الأجسام التي تعلو البساط وتميل وتعتدل. والمراد بالاستواء هاهنا:

الاستيلاء بالقدرة والسلطان، لا بحلول القرار والمكان. كما يقال:


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق: محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.