ممّ نلحظه في سورة الرعد عنايتها بالمقابلة بين الإيمان والكفر، والهدى والضلال، والاطمئنان والحيرة. وحين تعرضت السورة لرسم مشاهد الكون، عنيت بإبراز المشاهد المتقابلة من سماء وأرض، وشمس وقمر، وليل ونهار، وشخوص وظلال، وجبال راسية، وأنهار جارية، وزبد ذاهب، وماء باق، وقطع من الأرض متجاورات مختلفات، ونخيل صنوان وغير صنوان ومن ثم تطّرد هذه التقابلات في كل المعاني وكل الحركات وكل المصائر في السورة، لتناسق التقابل المعنوي في السورة مع التقابلات الحسية، وتتّسق في الجو العام.
ومن ثم يتقابل الاستعلاء في الاستواء على العرش، مع تسخير الشمس والقمر، ويتقابل ما تغيض الأرحام مع ما تزداد، ويتقابل من أسرّ القول مع من جهر به، ومن هو مستخف بالليل مع من هو سارب بالنهار ويتقابل الخوف مع الطمع تجاه البرق، ويتقابل تسبيح الرعد حمدا مع تسبيح الملائكة خوفا، وتتقابل دعوة الحق لله مع دعوة الباطل للشركاء، ويتقابل من يعلم مع من هو أعمى، ويتقابل الذين يفرحون من أهل الكتاب بالقرآن مع من ينكر بعضه، ويتقابل المحو مع الإثبات في الكتاب.
وبالإجمال، تتقابل المعاني وتتقابل الحركات وتتقابل الاتجاهات، لتنسيق الجو العام في الأداء. وهذا التناسق الفني، من بدائع الإعجاز في القرآن الكريم، هذا القرآن العجيب الذي لو كان من شأن قرآن أن تسيّر به الجبال أو تقطّع به الأرض أو يكلّم به الموتى، لكان في هذا القرآن من الخصائص والمؤثّرات ما تتحقق معه هذه الخوارق والمعجزات، ولكنه جاء لخطاب المكلّفين الأحياء، فإذا لم يستجيبوا له فقد آن أن ييأس منهم المؤمنون، وأن يدعوهم ويتركوهم، حتى يأتي وعد الله للمكذّبين، قال تعالى: