للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثالث أسرار ترتيب سورة «الإسراء» «١»

اعلم أن هذه السورة، والسّور الأربع التي بعدها، هي من قديم ما أنزل.

أخرج البخاري عن ابن مسعود أنه قال، في بني إسرائيل، والكهف ومريم وطه والأنبياء: «من العتاق الأول، وهنّ من تلادي «٢» » وهذا وجه في ترتيبها، وهو اشتراكها في قدم النزول، وكونها مكّية، وكونها مشتملة على القصص.

وقد ظهر لي في وجه اتصالها بسورة النحل: أنه سبحانه، لمّا قال: إِنَّما جُعِلَ السَّبْتُ عَلَى الَّذِينَ اخْتَلَفُوا فِيهِ في آخر النحل «٣» فسّر في هذه شريعة أهل السبت وشأنهم فذكر فيها جميع ما شرع لهم في التوراة، كما أخرج ابن جرير عن ابن عباس أنه قال: «التوراة كلّها في خمس عشرة آية من سورة بني إسرائيل» «٤» . وذكر عصيانهم وفسادهم، وتخريب مسجدهم ثم ذكر استفزازهم للنبي (ص) ورغبتهم في إخراجه من المدينة، ثم ذكر سؤالهم إيّاه عن الروح، ثم ختم السورة بآيات موسى التسع، وخطابه مع فرعون، وأخبر أن استفزازهم للنبي (ص) ليخرجوه من المدينة هو وأصحابه، نظير ما وقع لهم مع فرعون لمّا استفزّهم، ووقع ذلك أيضا.

ولما كانت هذه السورة مصدّرة بقصة تخريب المسجد الأقصى، فقد أسري بالمصطفى إليه، تشريفا له بحلول ركابه الشريف.


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «أسرار ترتيب القرآن» للسيوطي، تحقيق عبد القادر أحمد عطا، دار الاعتصام، القاهرة، الطبعة الثانية، ١٣٩٨ هـ: ١٩٧٨ م.
(٢) . أخرجه البخاري في التفسير: ٦: ١٨٩ عن ابن مسعود والتلاد: القديم.
(٣) . الآية ١٢٤.
(٤) . تفسير ابن جرير: ١٧: ٢٤٣.