لأن تبوّأ الدار هو استيطانها والتمكّن فيها، ولا يصحّ حمل ذلك على حقيقته في الإيمان. فلا بدّ إذن من حمله على المجاز والاتساع.
فيكون المعنى أنهم استقرّوا في الإيمان، كاستقرارهم في الأوطان.
وهذا من صميم البلاغة، ولباب الفصاحة. وقد زاد اللفظ المستعار هاهنا معنى الكلام رونقا. ألا ترى كم بين قولنا: استقرّوا في الإيمان، وبين قولنا: تبوّءوا الإيمان.
وأنا أقول، أبدا، إن الألفاظ خدم للمعاني، لأنها تعمل في تحسين معارضها، وتنميق مطالعها.
وقوله سبحانه: لَوْ أَنْزَلْنا هذَا الْقُرْآنَ عَلى جَبَلٍ لَرَأَيْتَهُ خاشِعاً مُتَصَدِّعاً مِنْ خَشْيَةِ اللَّهِ [الآية ٢١] هو على سبيل المجاز. والمعنى أن الجبل لو كان ممّا يعي القرآن، ويعرف البيان لخشع من سماعه، ولتصدّع من عظم شأنه، على غلظ أجرامه، وخشونة أكنافه.
فالإنسان أحقّ بذلك منه، إذ كان واعيا لقوارعه، عالما بصوادعه.
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.