فصّل لهم ما حرّم عليهم ولم يبح لهم الميتة إلّا عند الضرورة، وأنّ هؤلاء المشركين يريدون أن يضلّوهم عنه جلّ جلاله بأهوائهم وجهالاتهم ثم أمرهم أن يتركوا ذلك الإثم، ما ظهر منه وما بطن، ونهاهم أن يأكلوا ممّا لم يذكر اسمه عليه، وحذّرهم من الاستماع إلى ذلك الجدال الذي يوحي به شياطين المشركين إليهم ثم ضرب لهم مثلا ميّز به حال المؤمنين من الكافرين، وهو أنه لا يصحّ أن يجعل من كان ميتا بالشرك فأحياه الله تعالى بالإيمان كمن غرق في ظلمات الشرك، فصار بحيث لا يمكنه الخروج منها ثم ذكر أنه في هذه الظلمات زين للكافرين ما كانوا يعملون وَكَذلِكَ جَعَلْنا فِي كُلِّ قَرْيَةٍ أَكابِرَ مُجْرِمِيها لِيَمْكُرُوا فِيها وَما يَمْكُرُونَ إِلَّا بِأَنْفُسِهِمْ وَما يَشْعُرُونَ (١٢٣) .
شبهتهم الخامسة على التوحيد والنبوة الآيات [١٢٤- ١٣٥]
ثم قال تعالى: وَإِذا جاءَتْهُمْ آيَةٌ قالُوا لَنْ نُؤْمِنَ حَتَّى نُؤْتى مِثْلَ ما أُوتِيَ رُسُلُ اللَّهِ [الآية ١٢٤] فذكر شبهتهم الخامسة في إنكار التوحيد والنبوة، وعاد بهذا إلى السياق الأول وقد حكوا عن الوليد بن المغيرة أنه قال:
والله لو كانت النبوّة حقّا، لكنت أنا أحقّ بها من محمّد، فإنّي أكثر منه مالا وولدا. وحكوا عن غيره من المشركين، أنهم قالوا: لن نؤمن حتّى يحصل لنا مثل هذا المنصب. فأجابهم عن ذلك بأنه تعالى: أَعْلَمُ حَيْثُ يَجْعَلُ رِسالَتَهُ [الآية ١٢٤] ، ثمّ توعّدهم بأنهم سيصيبهم صغار عنده على ذلك التعالي، وذكر أن من يرد هدايته يشرح صدره للإسلام، ومن يرد أن يضلّه يجعل صدره ضيّقا حرجا، فيتعنّت بمثل ما يتعنّت به أولئك المشركون ثم ذكر جلّ جلاله أن صراطه مستقيم، قد فصّله لمن يتذكرون، وأن لهم دار السلام بما كانوا يعملون ثم ذكر أنه سيحشر أولئك المشركين من الجنّ والإنس، فيخبر الجنّ بأنهم قد أكثروا من الإضلال تبكيتا لهم، ويبكّت الإنس على قبول إغوائهم، فيجيب الإنس بأنه قد استمتاع بعضهم ببعض، وصاروا الآن إلى أجلهم الذي أجّله لهم، فيقضي عليهم بجعل النار مثواهم، وكذلك يجمع بينهم في النار، ويولي بعضهم بعضا فيها بما كانوا يكسبون. ثم ذكر أنه