«١» إن قيل: لأي فائدة تخصيص ذكر صفة الكرم، دون سائر صفاته، في قوله تعالى: ما غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ [الآية ٦] ؟
قلنا: قال بعضهم: إنّما قال تعالى ذلك لطفا بعبده، وتلقينا له حجته وعذره، ليقول: غرّني كرم الكريم.
وقال الفضيل رحمه الله: لو سألني الله تعالى هذا السؤال لقلت: غرّني ستورك المرخاة وروي أن عليا كرم الله وجهه صاح بغلام له مرات فلم يلبّه، ثم أقبل فقال: مالك لم تجبني؟ فقال: لثقتي بحلمك وأمني عقوبتك فاستحسن جوابه وأعتقه. ولهذا قالوا: من كرم الرجل، سوء أدب غلمانه. والحق أنّ الواجب على الإنسان أن لا يغترّ بكرم الله تعالى وجوده، في خلقه إيّاه، وإسباغه النعمة الظاهرة والباطنة عليه فيعصيه ويكفر نعمته اغترارا بتفضيله الأوّل، فإن ذلك أمر منكر خارج عن حدّ الحكمة، ولهذا قال رسول الله (ص) ، لمّا قرأها: غرّه جهله.
وقال عمر رضي الله تعالى عنه: غرّه حمقه وجهله. وقال الحسن: غره، والله، شيطانه الخبيث الذي زيّن له المعاصي، فقال له: افعل ما شئت، فإنّ ربّك كريم.
فإن قيل: لم قال الله تعالى: يَوْمَ لا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئاً [الآية ١٩] والنفوس المقبولة الشفاعة، تملك لمن شفعت فيه شيئا، وهو الشفاعة؟
قلنا: المنفي ثبوت النصرة بالملك
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.