تربية المسلمين، وتعليمهم أدب السماحة والطاعة، في مجلس الرسول (ص) ومجالس العلم والذكر، وهو أدب رفيع قدّمه القرآن الكريم من عشرات القرون، ليحثّ الناس على التعاون، والتكافل، والسلوك المهذّب: إِذا قِيلَ لَكُمْ تَفَسَّحُوا فِي الْمَجالِسِ فَافْسَحُوا. كما تحثّ الآيات على توفير العلم، وترسّم أدب السؤال والحديث، مع رسول الله (ص) وتحثّ على الجد والتوقير في هذا الأمر.
ويبدأ الربع الثاني في السورة بالآية ١٤، وقد تحدثت مع ما بعدها عن المنافقين، الذين يتولّون اليهود ويتامرون معهم، ويدارون تأمرهم بالكذب والحلف للرسول وللمؤمنين.
وهم في الاخرة كذلك حلّافون كذّابون، يتقون بالحلف والكذب، ما يواجههم من عذاب الله، كما كانوا يتقون بهما في الدنيا، ما يواجههم من غضب رسول الله، والمؤمنين، مع توكيد أن الذين يحادّون الله ورسوله، كتب الله عليهم أنّهم في الأذلّين، وأنهم هم الأخسرون، وأن الله ورسوله هم الغالبون.
وفي ختام السورة نجد صورة كريمة للمؤمن، الذي يستعلي بإيمانه، ويجعل الإيمان هو النسب وهو الحياة، وهو العقيدة الغالية التي تصله بالمؤمنين والمسلمين، وتحجب مودّته عن أعداء الله، ولو كانوا أقرب الناس إليه.
وكذلك كان المهاجرون والأنصار، الذين ضحّوا بكلّ شيء في سبيل العقيدة، فكتب الله في قلوبهم الإيمان، وأيّدهم بروح منه، وجعلهم قدوة لكل فئة مخلصة، ولكلّ مسلم مخلص، فمودّة المسلم، وحبه، وإخلاصه، وتعاونه، لا تكون إلّا للمسلمين الصادقين ثم هو في الوقت نفسه يحجب مودّته عن الخائنين، وإن كانوا أقاربه، أو أصهاره، أو عشيرته.
ومن سمات هذا الدّين، أن تحبّ لله وأن تكره لله: أن تحبّ المتّقين، وتصل المؤمنين، وتتعاون مع الهداة الصالحين، وأن تحجب مودّتك عن الفاسقين، لأنك بهذا تنفّذ أمر الله عزّ وجلّ، وتهجر من عصى الله سبحانه فمن أحبّ من أحبّ الله، فكأنما يحبّ الله.