للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «يس» «١»

قوله تعالى: إِنَّا جَعَلْنا فِي أَعْناقِهِمْ أَغْلالًا فَهِيَ إِلَى الْأَذْقانِ فَهُمْ مُقْمَحُونَ (٨) وَجَعَلْنا مِنْ بَيْنِ أَيْدِيهِمْ سَدًّا وَمِنْ خَلْفِهِمْ سَدًّا فَأَغْشَيْناهُمْ فَهُمْ لا يُبْصِرُونَ (٩) .

وهاتان استعارتان. ومن أوضح الأدلّة على ذلك، أنّ الكلام كلّه في أوصاف القوم المذمومين. وهم في أحوال الدّنيا دون أحوال الاخرة.

ألا ترى قوله تعالى بعد ذلك:

وَسَواءٌ عَلَيْهِمْ أَأَنْذَرْتَهُمْ أَمْ لَمْ تُنْذِرْهُمْ لا يُؤْمِنُونَ (١٠) . وإذا كان الكلام محمولا على أحوال الدّنيا دون أحوال الاخرة، وقد علمنا أنّ هؤلاء القوم الّذين ذهب الكلام إليهم، كان النّاس يشاهدونهم غير مقمحين بالأغلال، ولا مضروبا عليهم بالأسداد، علمنا أنّ الكلام خرج مخرج قوله سبحانه: خَتَمَ اللَّهُ عَلى قُلُوبِهِمْ وَعَلى سَمْعِهِمْ وَعَلى أَبْصارِهِمْ غِشاوَةٌ [البقرة: ٧] وكأنّ ذلك وصف لما كان عليه الكفّار عند سماع القرآن، من تنكيس الأذقان، وليّ الأعناق، ذهابا عن الرّشد، واستكبار عن الانقياد للحقّ، وضيق صدر بما يرد عليهم من مواقع البيان، وقوارع القرآن. وقد اختلف في معنى الإقماح. فقال قوم:

هو غضّ الأبصار واستشهدوا بقول بشر بن أبي «٢» خازم في ذكر السفينة:


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب: «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(٢) . البيت في «الجامع لأحكام القرآن» للقرطبي ج ١٥ ص ٨ منسوبا إلى بشر، فقط من غير ذكر لأبيه. وفي كتاب «القرطين» لابن مطرّف ج ٢ ص ٨٧ لم ينسب لقائله. ولكن مصحّح الكتاب نسبه في الهامش إلى بشر بن أبي حازم بالحاء المهملة كما جاء مثل ذلك في كتاب «الحماسة» لابن الشّجري طبع حيدر أباد ص ٥، ٣٠٤ أما في صفحة ١٠٣، ٢٦٩ فجاء بغير ذلك. والصواب بالحاء المعجمة والزّاي. وله ترجمة في «الشعر والشعراء» لابن قتيبة ص ٢٢٧، والخزانة ج ٢ ص ٢٦١- ٢٦٤، ومختارات ابن الشجري ج ٢ ص ١٩- ٣٣، والمفضّليّات بتحقيق الأستاذين أحمد محمد شاكر، وعبد السلام هارون.