هناك في الجماعة الاسلامية فئة أخرى، يصعب عليها البذل في سبيل الله، وتشقّ عليها تكاليف العقيدة في النفس والمال، وتزدهيها قيم الحياة الدنيا وزينتها، فلا تستطيع الخلاص من دعوتها وإغرائها.
وهؤلاء بصفة خاصة، نجد هذه الآيات تدعوهم إلى الإيمان وتحثّهم عليه، وتهتف بهم تلك الهتافات الموحية، لتخلّص أرواحهم من الإغراء، والخلود الى الأرض، وترفعها إلى مستوى الإيمان الحقّ، فيخاطبهم القرآن الكريم بقوله جلّ وعلا: آمِنُوا بِاللَّهِ وَرَسُولِهِ وَأَنْفِقُوا مِمَّا جَعَلَكُمْ مُسْتَخْلَفِينَ فِيهِ فَالَّذِينَ آمَنُوا مِنْكُمْ وَأَنْفَقُوا لَهُمْ أَجْرٌ كَبِيرٌ (٧) وَما لَكُمْ لا تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالرَّسُولُ يَدْعُوكُمْ لِتُؤْمِنُوا بِرَبِّكُمْ وَقَدْ أَخَذَ مِيثاقَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ (٨) .
[مشاهد الاخرة]
تعرض الآيات [١٢- ١٥] صورة وضيئة للمؤمنين والمؤمنات يوم القيامة يَوْمَ تَرَى الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِناتِ يَسْعى نُورُهُمْ بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَبِأَيْمانِهِمْ [الآية ١٢] . والمشهد هنا جديد بين المشاهد القرآنية. إنه مشهد عجب. هؤلاء هم المؤمنون والمؤمنات نراهم، ولكننا نرى بين أيديهم وبأيمانهم إشعاعا لطيفا هادئا.
ذلك نورهم يشعّ منهم، ويفيض بين أيديهم. فهذه الشخوص الإنسانية قد أشرقت وأضاءت، وأشعّت نورا يمتدّ منها فيرى أمامها ويرى عن يمينها. إنّه النور الذي أخرجها الله إليه، وبه، من الظلمات، والذي أشرق في أرواحها فغلت طينتها، أو لعلّه نور الأعمال الصالحة التي عملتها في الدنيا، ثم تبشّرهم ملائكة الرحمن بجنّات تجري من تحتها الأنهار ينعمون فيها بالخلود والفوز العظيم.
ولكنّ المشهد لا ينتهي عند هذا المنظر الطريف اللطيف. إنّ هناك المنافقين والمنافقات، في حيرة وضلال، في مهانة وإهمال، وهم يتعلّقون بأذيال المؤمنين والمؤمنات، ويقولون لهم: أنظروا إلينا لنقتبس من نوركم فيجيب المؤمنون إن النور، هنا، هو نور العمل الصالح، الذي عمل في الدنيا، فالدنيا عمل ولا حساب، والاخرة حساب ولا عمل، والجزاء الحقّ هنا من جنس العمل، ولذلك يحال بين المؤمنين والكافرين، ويذهب المؤمنون الى الرحمة