للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الخامس لكل سؤال جواب في سورة «الطلاق» «١»

إن قيل: لم قال تعالى: يا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذا طَلَّقْتُمُ النِّساءَ [الآية ١] أفرد الخطاب أولا، ثمّ جمعه ثانيا؟

قلنا: أفرد سبحانه النبيّ (ص) أولا بالخطاب، لأنه إمام أمّته وقدوتهم، إظهارا لتقدّمه ورئاسته، وأنه وحده في حكم كلّهم، وسادّ مسدّ جميعهم.

الثاني: أن معناه: يا أيّها النبي قل لأمّتك إذا طلّقتم النساء.

فإن قيل: لم قال تعالى: وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ يَجْعَلْ لَهُ مَخْرَجاً (٢) وَيَرْزُقْهُ مِنْ حَيْثُ لا يَحْتَسِبُ. ونحن نرى كثيرا من الأتقياء مضيّقا عليهم رزقهم؟

قلنا معناه: يجعل له مخلّصا من هموم الدنيا والاخرة. وعن النبيّ (ص) أنّه قال: مخرجا من شبهات الدنيا ومن غمرات الموت، ومن شدائد يوم القيامة. وقال ابن عبّاس رضي الله عنهما: ينجيه من كلّ كرب في الدنيا والاخرة. والصحيح أنّ هذه الآية عامّة، وأنّ الله يجعل لكلّ متّق مخرجا من كلّ ما يضيق على من لا يتّقي، ولذا قال النبيّ (ص) «إني لأعلم آية لو أخذ الناس بها لكفتهم وَمَنْ يَتَّقِ اللَّهَ [الآية ٢] . وجعل يقرأها ويعيدها» وأمّا تضييق رزق الأتقياء، فهو مع ضيقه وقلّته، يأتيهم من حيث لا يأملون ولا يرجون وتقليله لطف بهم ورحمة، ليتوفّر حظّهم في الاخرة ويخفّ حسابهم، ولتقلّ عوائقهم عن الاشتغال بمولاهم، ولا يشغلهم الرخاء والسّعة عمّا خلقوا له من الطاعة


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.