والمصانع المشيدة، وبلغت شأوا بعيدا من الحضارة الصناعية، وزادتها القوة بطرا وقسوة، فكفرت بنعم الله وتطاولت وتجبّرت ونسيت الخالق الرزاق، وكذّبوا نبيّ الله هودا فأهلكهم الله ودمر مصانعهم ودورهم، وصبّ عليهم العذاب من فوقهم ومن تحتهم، وتركهم عبرة لكل طاغية:
تستغرق قصة ثمود الآيات [١٤١- ١٥٩] وقد دعاهم صالح (ع) إلى عبادة الله وذكرهم بما فيه من نعمة، وكانوا يسكنون بالحجر بين الشام والحجاز، وقد مر النبي (ص) بدورهم المدمرة مع صحابته في غزوة تبوك، فاستحث راحلته وحنى ظهره، وجلا وخشوعا لله، وقال للمسلمين:(لا تمروا على قرى القوم الذين ظلموا أنفسهم إلّا وأنتم مشفقون، خشية أن يصيبكم ما أصابهم) .
لقد كانت ثمود في نعمة، فكفروا بنعمة الله عليهم، وذكّرهم صالح بقدرة الله، فطلبوا منه معجزة، فأعطاه الله الناقة على شرط أن يكون الماء الذي يستقون منه يوما للناقة ويوما لهم، وحذّرهم صالح أن ينالوا الناقة بسوء على الإطلاق، وإلّا أخذهم عذاب يوم عظيم.
ولكنّهم استمروا في عنادهم وظلمهم، فنحروا الناقة، وكذّبوا صالحا، وأحسّوا الندم بعد فوات الأوان، فأخذهم عذاب الله العادل:
تستغرق قصة لوط (ع) الآيات [١٦٠- ١٧٥] وقد كان قوم لوط يسكنون عدة قرى في وادي الأردن، واشتهر بينهم الشذوذ الجنسي بإتيان الذكور وترك النساء، وهو انحراف شنيع مناف للفطرة. فقد برأ الله الذكر والأنثى، وفطر كلّا منهما على الميل الى صاحبه، لتحقيق حكمته ومشيئته في امتداد الحياة، من طريق النسل الذي يتحقق باجتماع الذكر والأنثى، فكان هذا الميل طرفا من الناموس الكوني العام.