ونظرا لغرابة الحادث وضخامته، فقد عزّ على فرق من الناس أن تتصوّره على طبيعته، وأن تدرك الحكمة في إبرازه. فجعلت تضفي على عيسى بن مريم (ع) ، صفات الألوهية، وتعكس الحكمة من خلقه على هذا النحو العجيب، وهي إثبات القدرة الإلهية المطلقة، تعكسها فتشوّه عقيدة التوحيد. والقرآن في هذه السورة، يقصّ كيف وقعت هذه العجيبة ويبرز دلالتها الحقيقية، وينفي تلك الخرافات والأساطير.
[قصة ميلاد عيسى (ع)]
وهب الله مريم التقوى واليقين، ورزقها من فضله بغير حساب. وفي يوم مّا اعتكفت مريم كعادتها. وتوارت من أهلها، واحتجبت عن أنظارهم.
وبينما هي في خلوتها، مطمئنّة إلى انفرادها، ظهر أمامها رجل مكتمل سويّ الخلقة، فانتفضت انتفاضة العذراء المذعورة يفجأها رجل في خلوتها، فتلجأ إلى الله تستعيذ به، وتستنجد، وتستشير مشاعر التقوى في نفس الرجل، والخوف من الله، والتحرّج من رقابته في هذا المكان الخالي. ولكنّ الرجل السّويّ هدّأ من روعها، وأعاد إليها طمأنينتها، وأخبرها أنه ملاك أرسله الله إليها، لحكمة إلهية، وفضل ربّاني:
فهي لم تخالط رجلا في نكاح ولا في سفاح. فأخبرها الملاك، أنّ هذا الحمل سيكون بقدرة الله وحده، وهو أمر هيّن أمام هذه القدرة التي تقول للشيء كن فيكون. وقد أراد الله سبحانه أن يجعل هذا الحادث آية للناس، وعلامة على وجوده وقدرته وحرّيّة إرادته.