قلنا: لو قال تعالى: قالوا نشهد إنك لرسول الله، والله يشهد إنهم لكاذبون، لكان يوهم أنّ قولهم هذا كذب، وليس المراد أن شهادتهم هذه كذب، بل المراد أنهم كاذبون في غير هذه الشهادة. وقال أكثر المفسّرين: إنه تكذيب لهم في هذه الشهادة، لأنهم أضمروا خلاف ما أظهروا، ولم يعتقدوا أنه رسول الله بقلوبهم، فسمّاهم كاذبين لذلك، فعلى هذا يكون ذلك تأكيدا.
فإن قيل: المنافقون ما برحوا على الكفر، فلم قال تعالى: ذلِكَ بِأَنَّهُمْ آمَنُوا ثُمَّ كَفَرُوا [الآية ٣] ؟
قلنا: معناه ذلك الكذب الذي حكم عليهم به، أو ذلك الإخبار عنهم بأنّهم ساء ما كانوا يعملون، بسبب أنهم آمنوا بألسنتهم ثُمَّ كَفَرُوا [الآية ٣] بقلوبهم فَطُبِعَ عَلى قُلُوبِهِمْ [الآية ٣] كما قال تعالى في وصفهم: وَإِذا لَقُوا الَّذِينَ آمَنُوا قالُوا آمَنَّا وَإِذا خَلَوْا إِلى شَياطِينِهِمْ قالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّما نَحْنُ مُسْتَهْزِؤُنَ (١٤)[البقرة] الثاني: أن المراد به أهل الرّدّة منهم.
فإن قيل: لم قال تعالى: يَحْسَبُونَ كُلَّ صَيْحَةٍ عَلَيْهِمْ هُمُ الْعَدُوُّ [الآية ٤] ولم يقل هي العدو؟
قلنا: عَلَيْهِمْ هو ثاني مفعولي يحسبون تقديره: يحسبون كل صيحة واقعة عليهم أي: لجبنهم وهلعهم،
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.