إن قيل: لم خصّ الناس بالذّكر في قوله تعالى: قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١) وهو ربّ كل شيء، ومالكه وإلهه؟
قلنا: إنما خصّهم بالذكر تشريفا لهم وتفضيلا على غيرهم، لأنّهم أهل العقل والتمييز. الثاني: أنه لمّا أمر تعالى بالاستعاذة من شرّهم، ذكر مع ذلك أنه ربّهم، ليعلم أنه هو الذي يعيذ من شرهم. الثالث: أن الاستعاذة وقعت من شر الموسوس إلى الناس، بربّهم الذي هو إلههم ومعبودهم، كما يستغيث بلا مشابهة بعض العبيد، إذا اعتراه خطب، بسيّده، ووليّ أمره.
فإن قيل: هل قوله تعالى: مِنَ الْجِنَّةِ وَالنَّاسِ (٦) بيان للذي يوسوس على أن الشيطان الموسوس ضربان جنّي وإنسي، كما قال تعالى:
شَياطِينَ الْإِنْسِ وَالْجِنِّ [الأنعام: ١١٢] أو بيان للنّاس الذين أضيفت الوسوسة إلى صدورهم، ولفظ (النّاس) المذكور آخرا بمعنى الإنس؟
قلنا: قال بعض أئمة التفسير: المراد المعنى الأول، كأنّ المعنى: من شرّ الوسواس الجنّي، ومن شرّ الوسواس الإنسيّ، فهو استعاذة بالله تعالى من شر الموسوسين من الجنسين، وهو اختيار الزّجّاج وفي هذا الوجه إطلاق لفظ الخنّاس على الإنسي والنّقل أنه اسم للجنّي. وقال بعضهم: المراد المعنى الثاني كأن المعنى: من شرّ الوسواس الجنّي الذي يوسوس في صدور الناس
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.