للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

المبحث الثامن المعاني المجازية في سورة «مريم» «١»

قوله سبحانه: قالَ رَبِّ إِنِّي وَهَنَ الْعَظْمُ مِنِّي وَاشْتَعَلَ الرَّأْسُ شَيْباً [الآية ٤] .

وهذه من الاستعارات العجيبة.

والمراد بذلك، التعبير عن تكاثر الشّيب في الرأس حتى يقهر بياضه، ويفصل سواده.

وفي هذا الكلام دليل على سرعة تضاعف الشيب وتزيّده وتلاحق مدده، حتى يصير في الإسراع والانتشار كاشتعال النار، يعجز مطفيه، ويغلب متلافيه.

وقوله سبحانه: فَأَجاءَهَا الْمَخاضُ إِلى جِذْعِ النَّخْلَةِ [الآية ٢٣] . وهذه استعارة، والمعنى: فجاء بها المخاض، إلى جذع النخلة، لتجعله سنادا لها، أو عمادا لظهرها. وهي التي لجأت إلى النخلة ولكن ضرب المخاض، لمّا كان سببا لذلك، حسن أن ينسب الفعل إليه في إلجائها، والمجيء بها.

وقوله سبحانه: وَوَهَبْنا لَهُمْ مِنْ رَحْمَتِنا وَجَعَلْنا لَهُمْ لِسانَ صِدْقٍ عَلِيًّا (٥٠) .

وهذه استعارة. والمراد بذكر اللسان هاهنا، والله أعلم، الثناء الجميل الباقي في أعقابهم، والخالف في آبائهم «٢» والعرب تقول: جاءني لسان فلان،


(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «تلخيص البيان في مجازات القرآن» للشريف الرضي، تحقيق: محمد عبد الغني حسن، دار مكتبة الحياة، بيروت، غير مؤرّخ.
(٢) . الباقي في آبائهم.