سورة فاطر لها نسق خاص في موضوعها وسياقها، أقرب ما يكون إلى نسق سورة الرعد. «فهي تمضي في إيقاعات تتوالى على القلب البشري من بدئها إلى نهايتها، وهي إيقاعات موحية مؤثّرة تهز القلب هزّا، وتوقظه من غفلته ليتأمّل عظمة هذا الوجود، وروعة هذا الكون، وليتدبّر آيات الله المبثوثة في تضاعيفه، المتناثرة في صفحاته، وليتذكّر آلاء الله ويشعر برحمته ورعايته، وليتصوّر مصارع الغابرين في الأرض ومشاهدهم يوم القيامة، وليخشع ويعنو وهو يواجه بدائع صنع الله، وآثار يده في أطواء الكون، وأغوار النفس وحياة البشر، وأحداث التاريخ. وهو يرى ويلمس في تلك البدائع وهذه الآثار وحدة الحق ووحدة الناموس، ووحدة اليد الصانعة المبدعة القوية القادرة. ذلك كله بأسلوب وإيقاع لا يتماسك له قلب يحسّ ويدرك، ويتأثّر تأثّر الأحياء.
«والسّورة وحدة متماسكة متوالية الحلقات، متتالية الإيقاعات يصعب تقسيمها إلى فصول متميّزة الموضوعات فهي كلّها موضوع، كلّها إيقاعات على أوتار القلب البشريّ، تستمدّ من ينابيع الكون والنفس والحياة والتاريخ والبعث، فتأخذ على النفس أقطارها، وتهتف بالقلب من كلّ مطلع إلى الإيمان والخشوع والإذعان.
«والسمة البارزة الملحوظة هي تجميع الخيوط كلّها في يد القدرة المبدعة، وإظهار هذه اليد تحرّك الخيوط كلّها وتجمعها، وتقبضها وتبسطها، وتشدّها وترخيها فلا معقّب ولا شريك ولا ظهير.»
[فقرات السورة]
رغم أن السّورة كلّها وحدة متماسكة إلّا أنه يمكن تقسيمها إلى خمسة موضوعات:
١- رحمة الله وفضله
إذا تأمّلنا الآيات:[١- ٨] من سورة فاطر، نجد فيضا من أنعم الله الّتي لا تعدّ ولا تحصى على عباده، فهو خالق السماء والأرض وجاعل الملائكة رسلا يوصلون آثار قدرته وجليل وحيه إلى عباده، ما يَفْتَحِ اللَّهُ لِلنَّاسِ مِنْ رَحْمَةٍ فَلا مُمْسِكَ لَها [الآية ٢] لقد فتح الله رحمته لأنبيائه وأصفيائه، جعل النار