فإن قيل: لم قال الله تعالى: وُجُوهٌ يَوْمَئِذٍ خاشِعَةٌ (٢) عامِلَةٌ ناصِبَةٌ (٣) تَصْلى ناراً حامِيَةً (٤) مع أن جميع أبدانهم أيضا تصلى النار؟
قلنا: الوجه يطلق ويراد به جميع البدن، كما في قوله تعالى وَعَنَتِ الْوُجُوهُ لِلْحَيِّ الْقَيُّومِ [طه/ ١١١] وقيل:
إنّ المراد بالوجوه هنا الأعيان والرؤساء، كما يقال: هؤلاء وجوه القوم، ويا وجه العرب: أي ويا وجيههم، ويؤيّد هذا القول ما روي عن ابن عبّاس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: إن المراد به الرهبان وأصحاب الصوامع.
فإن قيل: كيف ارتبط قوله تعالى:
أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ كَيْفَ خُلِقَتْ (١٧) بما قبله، وأيّ مناسبة بين السماء والإبل والجبال والأرض حتّى جمع بينهما؟
قلنا: لما وصف الله تعالى الجنّة بما وصف، عجب من ذلك الكفار، فذكّرهم بعجائب صنعه. وقال قتادة:
لمّا ذكر ارتفاع سرر الجنة قالوا: كيف نصعدها؟ فنزلت هذه الآية: أَفَلا يَنْظُرُونَ إِلَى الْإِبِلِ [الآية ١٧] اعتبار كيف (خلقت) للنهوض بالأثقال وحملها إلى البلاد البعيدة، وجعلت تبرك حتّى تحمل وتركب عن قرب ويسر، ثمّ تنهض بما حملت، فليس في الدّواب ما يحمل عليه وهو بارك ويطيق النهوض إلا هي، وسخّرت لكل من قادها حتّى الصبيّ الصغير، ولمّا
(١) . انتقي هذا المبحث من كتاب «أسئلة القرآن المجيد وأجوبتها» ، لمحمد بن أبي بكر الرازي، مكتبة البابي الحلبي، القاهرة، غير مؤرّخ.